١ ـ فرقة المعتدين في السبت ، المتجاوزين حدود الله عن تعمد وإصرار.
٢ ـ فرقة الناصحين لهم بالانتهاء عن تعديهم وفسوقهم.
٣ ـ فرقة اللائمين للناصحين ليأسهم من صلاح العادين في السبت.
وهذه الفرقة الثالثة هي التي عبر القرآن الكريم عنها بقوله : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) أى : قالت فرقة من أهل القرية ، لإخوانهم الذين لم يألوا جهدا في نصيحة العادين في السبت ، لم تعظون قوما لا فائدة من وعظهم ولا جدوى من تحذيرهم ، لأن الله تعالى قد قضى باستئصالهم وتطهير الأرض منهم ، أو بتعذيبهم عذابا شديدا ، جزاء تماديهم في الشر ، وصممهم عن سماع الموعظة فكان رد الناصحين عليهم (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
فهم قد عللوا نصيحتهم للعادين بعلتين :
الأولى : الاعتذار إلى الله ـ تعالى ـ من مغبة التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
والثانية : الأمل في صلاحهم وانتفاعهم بالموعظة حتى ينجو من العقوبة ، ويسيروا في طريق المهتدين.
وقيل : إن أهل القرية كانوا فرقتين ، فرقه أقدمت على الذنب فاعتدت في السبت ، وفرقة أحجمت عن الأقدام ، ونصحت المعتدين بعدم التجاوز لحدود الله ـ تعالى ـ فلما داومت الفرقة الواعظة على نصيحتها للفرقة العادية ، قالت لها الفرقة العادية على سبيل التهكم والاستهزاء : لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا في زعمكم؟ فاجابتهم الناصحة بقولها. معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.
والذي نرجحه أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق كما قال جمهور المفسرين ـ لأن هذا هو الظاهر من الضمائر في الآية الكريمة ، إذ لو كانوا فرقتين لقالت الناهية للعاصية (ولعلكم تتقون) بكاف الخطاب ، بدل قولهم (ولعلهم يتقون) الذي يدل على أن المحاورة قد دارت بين الفرقة اللائمة ، والفرقة الناصحة.
قال الإمام القرطبي عند تفسيره الآية الكريمة : إن بنى إسرائيل افترقت ثلاث فرق «فرقة عصت وصدت ، وكانوا ، نحوا من سبعين ألفا ، فرقة نهت واعتزلت ، وكانوا نحوا من اثنى عشر ألفا ، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص ، وأن هذه الطائفة هي التي قالت للناهية ، لم تعظون