وقوله تعالى (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ، وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) بيان لموضع الاختبار والامتحان.
و (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ) ظرف ليعدون. وحيتان جمع حوت وهو السمك الكبير. وشرعا : أى : شارعة ظاهرة على وجه الماء. جمع شارع ، من شرع عليه إذا دنا وأشرف وكل شيء دنا من شيء فهو شارع ، وقوله : شرعا حال من الحيتان.
والمعنى : إذ تأتيهم حيتانهم في وقت تعظيمهم ليوم السبت ظاهرة على وجه الماء دانية من القرية بحيث يمكنهم صيدها بسهولة ، فإذا مر يوم السبت وانتهى لا تأتيهم كما كانت تأتيهم فيه ، ابتلاء من الله ـ تعالى ـ لهم.
قال ابن عباس : (اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به ، وهو يوم الجمعة ، فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله ـ تعالى ـ به ، وحرم عليهم الصيد فيه ، وأمرهم بتعظيمه ، فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر ، فإذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل ، وذلك بلاء ابتلاهم الله به ، فذلك معنى قوله تعالى (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) (١).
وقال الإمام القرطبي : (وروى في قصص هذه الآية أنها كانت في زمن داود ـ عليهالسلام ـ وأن إبليس أوحى إليهم فقال إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، فاتخذوا الحياض ، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فتبقى فيها ، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء. فيأخذونها يوم الأحد) (٢).
وقوله تعالى (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) معناه : بمثل هذا الابتلاء ، وهو ظهور السمك لهم في يوم السبت ، واختفائه في غيره نبتليهم ونعاملهم معاملة من يختبرهم ، لينالوا ما يستحقونه من عقوبة بسبب فسقهم وتعديهم حدود ربهم ، وتحايلهم القبيح على شريعتهم ، فقد جرت سنة الله بأن من أطاعه سهل له أمور دنياه ، وأجل له ثواب أخراه ، ومن عصاه أخذه أخذ عزيز مقتدر.
ثم بين ـ سبحانه ـ طوائف هذه القرية وحال كل طائفة فقال تعالى (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً ، قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
والذي يفهم من الآية الكريمة ، ـ وعليه جمهور المفسرين ـ أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٣١٦ طبعة الأميرية الأزهرية سنة ١٣٠٨ ه.
(٢) تفسير القرطبي ج ٧ ص ٣٠٦.