قوله ـ تعالى ـ (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ) ... إلخ. معطوف على اذكر المقدر في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا). والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وضمير الغيبة للمعاصرين له من اليهود.
أى : سل يا محمد هؤلاء اليهود المعاصرين لك كيف كان حال أسلافهم الذين تحايلوا على استحلال محارم الله فإنهم يجدون أخبارهم في كتبهم ولا يستطيعون كتمانها.
والمقصود من سؤالهم تقريعهم على عصيانهم ، لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق ، ولا يعرضوا أنفسهم لعقوبات كالتي نزلت بسابقيهم ، وتعريفهم بأن هذه القصة من علومهم المعروفة لهم والتي لا يستطيعون إنكارها ، والتي لا تعلم إلا بكتاب أو وحى ، فإذا أخبرهم بها النبي الأمى الذي لم يقرأ كتابهم كان ذلك معجزة له. ودليلا على أنه نبي صادق موحى إليه بها.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة : (أى واسأل ـ يا محمد ـ هؤلاء اليهود الذين بحضرتكم عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ففاجأتهم نقمته على اعتدائهم واحتيالهم في المخالفة ، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم «لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم وهذه القرية هي «أيلة» وهي على شاطئ بحر القلزم ، أى ـ البحر الأحمر ـ) (١).
وقال الإمام القرطبي : وهذا سؤال تقرير وتوبيخ ، وكان ذلك علامة لصدق النبي صلىاللهعليهوسلم إذ أطلعه الله على تلك الأمور من غير تعلم وكانوا يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه ، لأنا من سبط إسرائيل. ومن سبط موسى كليم الله ، ومن سبط ولده عزير فنحن أولادهم ، فقال الله ـ عزوجل ـ لنبيه سلهم ـ يا محمد ـ عن القرية. أما عذبتهم بذنوبهم ، وذلك بتغيير فرع من فروع الشريعة (٢).
وجمهور المفسرين على أن المراد بهذه القرية. قرية (أيلة) التي تقع بين مدين والطور ، وقيل هي قرية طبرية ، وقيل هي مدين.
ومعنى كونها (حاضِرَةَ الْبَحْرِ) : قريبة منه ، مشرفة على شاطئه ، تقول كنت بحضرة الدار أى قريبا منها.
وقوله (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) أى يظلمون ويتجاوزون حدود الله ـ تعالى ـ بالصيد في يوم السبت ويعدون بمعنى يعتدون ، يقال : عدا فلان الأمر واعتدى إذا تجاوز حده.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٥٦.
(٢) تفسير القرطبي ج ٧ ص ٣٠٤ طبعة دار الكتب المصرية سنة ١٩٣٨.