وشيبة ابنا ربيعة ، وأمية بن خلف. استمعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يقرأ القرآن ، فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ فقال : والذي جعلها بيته ما أدرى ما يقول ، إلا أنى أرى تحرك شفتيه يتكلم بشيء فما يقول إلا أساطير ، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى وكان يحدث قريشا فيستملحون حديثه فأنزل الله هذه الآية» (١).
والأكنة : جمع كنان كغطاء وأغطية لفظا ومعنى والوقر ـ بالفتح ـ الثقل في السمع.
والمعنى : ومن هؤلاء المشركين يا محمد من يستمع إليك حين تقرأ القرآن وقد جعلنا ـ بسبب عنادهم وجحودهم ـ على قلوبهم أغطية تحول بينهم وبين فقهه ، كما جعلنا في أسماعهم صمما يمنع من سماعه بتدبر وتعقل.
قال صاحب المنار : «وجعل الأكنة على القلوب والوقر في الآذان في الآية من تشبيه الحجب والموانع المعنوية بالحجب والموانع الحسية ؛ فإن القلب الذي لا يفقه الحديث ولا يتدبره كالوعاء الذي وضع عليه الكن أو الكنان وهو الغطاء حتى لا يدخل فيه شيء. والآذان التي لا تسمع الكلام سماع فهم وتدبر كالآذان المصابة بالثقل أو الصمم ، لأن سمعها وعدمه سواء (٢).
وقال بعض العلماء : «وهنا يسأل سائل : إذا كان منع الهداية من الله ـ تعالى ـ بالغشاوة على قلوبهم والختم عليها وبالوقر في آذانهم فلا يسمعون سماع تبصر فماذا يكون عليهم من تبعة يحاسبون عليها حسابا عسيرا بالعذاب الأليم؟
والجواب عن ذلك أن الله ـ سبحانه ـ يسير الأمور وفق حكمته العلياء فمن يسلك سبيل الهداية يرشده وينير طريقه ويثيبه ، ومن يقصد إلى الغواية ويسير في طريقها تجيئه النذر تباعا إنذارا بعد إنذار ، فإن أيقظت النذر ضميره وتكشفت العماية عن قلبه فقد اهتدى وآمن بعد كفر. ومن لم تجد فيه النذر المتتابعة ولم توقظ له ضميرا ولم تبصره من عمى فقد وضع الله ـ تعالى ـ على قلبه غشاوة وفي آذانه وقرا» (٣).
ثم صور ـ سبحانه ـ عنادهم وإعراضهم عن الحق مهما وضحت براهينه فقال : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها).
أى : وإن يروا كل آية من الآيات الدالة على صحة نبوتك وصدق دعوتك فلن يؤمنوا بها لاستحواذ الغرور والعناد على قلوبهم.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ١٢٥.
(٢) تفسير المنار ج ٧ ص ٣٤٧.
(٣) مجلة لواء الإسلام لسنة ٢٣ العدد ٩ تفسير الآيات الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة.