والوصية السابعة : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
أى : أتموا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم ، وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون أو لغيركم فيما تبيعون.
فالجملة الكريمة أمر من الله ـ تعالى ـ لعباده بإقامة العدل في التعامل : بحيث يعطى صاحب الحق حقه من غير نقصان ولا بخس ، ويأخذ صاحب الحق حقه من غير طلب الزيادة.
والكيل والوزن : مصدران أريد بهما ما يكال وما يوزن ، كالعيش بمعنى ما يعاش به. وبالقسط حال من فاعل أوفوا أى : أوفوهما مقسطين أى : متلبسين بالقسط. ويجوز أن يكون حالا من المفعول أى : أوفوا الكيل والميزان بالقسط أى : تامّين.
وهذه الوصية هي مبدأ العدل والتعادل ، وكل مجتمع محتاج إليها ، فالناس لا بد لهم من التعامل ، ولا بد لهم من التبادل ، والكيل والوزن هما وسيلة ذلك ، فلا بد من أن يكونا منضبطين بالقسط.
والمجتمعات الأمينة التي لا تجد فيها أحدا يغبن عن جهل أو غفلة ، وهي أيضا المجتمعات الأمينة التي لا تجد فيها من يحاول أن يأخذ أكثر من حقه. أو يعطى أقل مما يجب عليه.
وقوله (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أى : لا نكلف نفسا إلا ما يسعها ولا يعسر عليها.
والجملة مستأنفة جيء بها عقيب الأمر بإيفاء الكيل والميزان بالعدل ، للترخيص فيما خرج عن الطاقة ، ولبيان قاعدة من قواعد الإسلام الرافعة للحرج وذلك لأن التبادل التجارى لا يمكن أن يتحقق على وجه كامل من المساواة أو التعادل ، فلا بد من تقبل اليسير من الغبن في هذا الجانب أو ذاك.
والوصية الثامنة تقول : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى).
أى : وإذا قلتم قولا فاعدلوا فيه ولو كان المقول له أو عليه صاحب قرابة منكم.
إذ العدل هو أساس الحكم السليم : العدل في القول ، والعدل في الحكم ، والعدل في كل فعل.
وإنما خصصت الآية العدل في القول مع أن العدل مطلوب في الأقوال والأفعال وفي كل شيء ، لأن أكثر ما يكون فيه العدل أقوال كالشهادة ، والحكم ، ثم الأقوال هي التي تراود النفوس في كل حال. فالإنسان حين تصادفه قضية من القضايا القولية أو العملية يحدث نفسه في شأنها ، ويراوده معنى العدل وكأنه يطالبه بأن ينطق به ويؤيده ، فيقول في نفسه سأفعل كذا لأنه العدل ، فإذا لم يكن صادقا في هذا القول فقد جافى العدل وقال زورا وكذبا.