وقال الحاكم : نهوا عن سب الأصنام لوجهين :
أحدهما : أنها جماد لا ذنب لها.
والثاني : أن ذلك يؤدى إلى المعصية بسب الله ـ تعالى ـ. والذي يجب علينا إنما هو بيان بغضها وأنه لا تجوز عبادتها ، وأنها لا تضر ولا تنفع ، وأنها لا تستحق العبادة ، وهذا ليس بسب. ولهذا قال أمير المؤمنين على ـ يوم صفين ـ «لا تسبوهم ولكن اذكروا قبيح أفعالهم» (١).
وقال بعض العلماء : ووجه النهى عن سب أصنامهم هو أن السب لا تترتب عليه مصلحة دينية ، لأن المقصود من الدعوة هو الاستدلال على إبطال الشرك وإظهار استحالة أن تكون الأصنام شركاء لله ـ تعالى ـ فذلك الذي يتميز به المحق من المبطل ، فأما السب فإنه مقدور للمحق وللمبطل فيظهر بمظهر التساوي بينهما ، وربما استطاع المبطل بوقاحته وفحشه ما لا يستطيعه المحق ، فيلوح للناس أنه تغلب على المحق. على أن سب آلهتهم لما كان يحمى غيظهم ويزيد تصلبهم صار منافيا لمراد الله من الدعوة فقد قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وأصبح هذا السب متمحضا للمفسدة وليس مشوبا بمصلحة ، وليس هذا مثل تغيير المنكر إذا خيف إفضاؤه إلى مفسدة ، لأن تغيير المنكر مصلحة بالذات وإفضاؤه إلى المفسدة بالعرض. وذلك مجال تتردد فيه أنظار العلماء المجتهدين بحسب الموازنة بين المصالح والمفاسد قوة وضعفا وتحققا واحتمالا ، وكذلك القول في تعارض المصالح والمفاسد كلها (٢).
وهذه الآية الكريمة ليست منسوخة بآية السيف ـ كما قيل ـ وإنما هي محكمة ولذا قال القرطبي : قال العلماء : حكمها باق في هذه الأمة على كل حال فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلىاللهعليهوسلم أو الله ـ تعالى ـ فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا كنائسهم ، ولا يتعرض إلى ما يؤدى إلى ذلك ، لأنه بمنزلة البعث على المعصية» (٣).
وقوله (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ).
التزيين تفعيل من الزين وهو الحسن.
والمعنى : مثل ذلك التزيين الذي حمل المشركين على الدفاع عن عقائدهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا ، زينا لكل أمة من الأمم عملهم ، من الخير والشر والإيمان والكفر ، فقد مضت سننا في أخلاق البشر أن يستحسنوا ما تعودوه ، وأن يتعلقوا بما ألفوه.
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٦ ص ٢٤٦٣.
(٢) تفسير التحرير والتنوير ج ٧ ص ٤٣٠ للشيخ محمد بن عاشور.
(٣) تفسير القرطبي ج ٧ ص ٦٠.