وجملة (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) إلخ مستأنفة لتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم عما يشاهده من عداوة قريش له ، والكاف في محل نصب على أنها نعت لمصدر مؤكد لما بعده.
وجعل ينصب مفعولين أولهما (عَدُوًّا) وثانيهما (لِكُلِّ نَبِيٍ) و (شَياطِينَ) بدل من المفعول الأول ، وبعضهم أعرب (شَياطِينَ) مفعولا أولا و (عَدُوًّا) مفعولا ثانيا ، و (لِكُلِّ نَبِيٍ) حالا من (عَدُوًّا).
وقوله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً).
الوحى : الإعلام بالأشياء من طريق خفى دقيق سريع. زخرف القول : باطله الذي زين وموه بالكذب. وأصل الزخرف. الزينة المزوقة ، ومنه قيل للذهب : زخرف ، ولكل شيء حسن مموه : زخرف.
والغرور : الخداع والأخذ على غرة وغفلة.
والمعنى : يلقى بعضهم إلى بعض بطرق خفية دقيقة القول المزين المموه الذي حسن ظاهره وقبح باطنه لكي يخدعوا به الضعفاء ويصرفونهم عن الحق إلى الباطل.
والجملة مستأنفة لبيان إحكام عداوتهم ، أو حال من الشياطين وقد ورد أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر أتباعه أن يستعيذوا بالله من شياطين الإنس والجن ، فعن أبى ذر قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مجلس. قد أطال فيه الجلوس فقال : «يا أبا ذر هل صليت؟ قلت : لا يا رسول الله. قال : قم فاركع ركعتين قال : ثم جئت فجلست إليه فقال : يا أبا ذر ، هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس؟ قال : قلت لا يا رسول الله ، وهل للإنس من شياطين؟ قال : نعم ، هم شر من شياطين الجن».
وقد ساق الإمام ابن كثير عدة روايات عن أبى ذر في هذا المعنى ، ثم قال في نهايتها : فهذه طرق لهذا الحديث ومجموعها يفيد قوته وصحته» (١).
وقوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ).
أى : ولو شاء ربك ألا يفعل هؤلاء الشياطين ما فعلوه من معاداة الأنبياء ومن الإيحاء بالقول الباطل لتم له ذلك ، لأنه ـ سبحانه ـ هو صاحب المشيئة النافذة ، والإرادة التامة ولكنه ـ سبحانه ـ لم يشأ أن يجبرهم على خلاف ما زينته لهم أهواؤهم باختيارهم ، لكي يميز الله
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٦٦.