بإرادته. وأن حركاتهم وسكناتهم مردها إليه ، وأنهم في ساعة الشدة والكرب لا يلوذون إلا بحماه.
تدبر كتاب الله وهو يحكى كل ذلك بطريقته المقنعة للعقل والعاطفة فيقول :
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها ، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ* وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ، وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ، حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ* ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ* قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ، لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ* قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).
وبعد هذا البيان الذي تعددت مظاهر عظاته وعبره ، وتنوعت ألوان هداياته وإرشاداته اتجه القرآن بالخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ليقول له مسليا ومثبتا : إن قومك قد كذبوك مع أن ما معك هو الحق المبين قل لهم :
(لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ* لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
ثم يأمره ويأمر كل من يتأتى له الخطاب بالإعراض عن الجاهلين الذين يخوضون في آيات الله بغير علم فيقول :
(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
ثم تبدأ السورة في الرابع الخامس منها جولة جديدة لتثبيت العقيدة السليمة فتسلك طريق القصة ، وتتخذ من إبراهيم أبى الأنبياء نموذجا لاستقامة الفطرة ، وسلامة التفكير وحسن الإدراك ويقظة العقل ، فقد رأى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بفطرته النقية أن الأصنام لا يعقل أن تكون آلهة. وخاطب أباه وقومه بذلك ، واعتبرهم بهذا الإشراك في ضلال مبين ، ثم اتجه إلى التعرف على الإله الحق فتخيله في كوكب ، ولكنه حين أفل وزال قال : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) لأن الإله الحق لا يغيب ولا يزول. ثم ظن الألوهية في ذلك القمر الذي ينسكب نوره في الوجود