فريق من صاحبه باللذة العاجلة التي أوردته إلى سوء المصير.
وقولهم هذا ، هو تحسر منهم على حالهم ، إذ قالوه اعترافا بما فعلوه من طاعة للشياطين واتباع الهوى ، وتكذيب أمر البعث.
وإنما قال الأتباع من الإنس هذا القول مع أن الخطاب موجه إلى المتبوعين من شياطين الجن ، للإيذان بأن شياطين الجن قد أفحموا. ولم يستطيعوا أن ينطقوا أو يجيبوا. ثم أتبعوا تحسرهم هذا بتحسر آخر وهو قولهم : «وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا».
أى : ها نحن يا ربنا قد استمتع بعضنا ببعض في الدنيا عن طريق الشهوات المحرمة. واللذات الفانية القبيحة ، وها نحن قد وصلنا بعد استمتاع بعضنا ببعض إلى الأجل الذي حددته لنا ، وهو يوم القيامة والجزاء. ونحن في أقبح صورة وأسوأ عيش.
وهنا يأتيهم الرد الحاسم. والحكم النافذ من الله العلى الكبير. حيث يقول ـ سبحانه ـ (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ).
مثواكم : الثواء مع الإقامة مع الاستقرار. يقال : ثوى يثوى ثواء أى : استقر ، والثوية مأوى الغنم.
والمعنى : قال الله ـ تعالى ـ لهؤلاء الظالمين المعترفين على أنفسهم بارتكاب الموبقات : النار منزلكم ومحل إقامتكم الدائمة. فأنتم خالدون فيها في كل وقت إلا في وقت مشيئة الله بخلاف ذلك ، لأن الأمور كلها متروكة إليه ، وخاضعة لمشيئته.
والأرجح أن المراد بهذا الاستثناء وبنظائره في آيات أخر ، المبالغة في الخلود.
أى : أنه لا ينتفى في وقت ما إلا وقت مشيئته ـ تعالى ـ وهو سبحانه لا يشاء ذلك. فقد أخبر في آيات متعددة من كتابه أن هؤلاء الكفار لا يخرجون من النار أبدا.
وفي إيراد هذا المعنى بتلك الصورة ، بلاغ للناس بأن مرد الأمور كلها إلى مشيئة الله ، وأن خلود المشركين في نار جهنم إنما هو بمحض مشيئته ، ولو شاء غير ذلك ما خلدوا ، وفيه إلى جانب ذلك تنكيل آخر بهؤلاء الأشقياء لأنهم قد صاروا في حيرة دائمة من أمرهم. تجعلهم مشتتين بين الطمع في الخروج مما هم فيه ، واليأس منه.
وهذا التفسير للجملة الكريمة هو الذي نختاره ونرجحه ، وهناك وجوه أخرى في تفسيرها منها ما ذهب إليه الزمخشري حيث قال :
وقوله : (خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أى : يخلدون في عذاب النار الأبد كله إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير فقد روى أنهم يدخلون واديا فيه من