مقال ، ولم يعتمدها المحققون من العلماء ، فقد نقل السيوطي عن ابن الحصار قوله : استثنى من سورة الأنعام تسع آيات ـ مدنية ـ ولا يصح به نقل ، خصوصا وأنه قد ورد أنها نزلت جملة (١).
(د) الذي يقرأ سورة الأنعام بتدبر يجد فيها سمات القرآن المكي واضحة جلية ، فهي تتحدث باستفاضة عن وحدانية الله ، وعن مظاهر قدرته ، وعن صدق النبي صلىاللهعليهوسلم في دعوته ، وعن الأدلة الدامغة التي تؤيد صحة البعث والثواب والعقاب يوم القيامة ، إلى غير ذلك من المقاصد التي كثر الحديث عنها في القرآن المكي.
ومن هنا كانت سورة الأنعام بين السور المكية ذات شأن كبير في تركيز الدعوة الإسلامية ، تقرر حقائقها ، وتفند شبه المعارضين لها ، واقتضت لذلك الحكمة الإلهية أن تنزل ـ مع طولها وتنوع آياتها ـ جملة واحدة ، وأن تكون ذات امتياز خاص لا يعرف لسواها كما قرره جمهور العلماء.
ومن ذلك يتبين أنه لا مجال للقول بأن بعضها من قبيل المدني ، ولا بأن آية كذا نزلت في حادثة كذا ، فكلها جملة واحدة نزلت بمكة لغاية واحدة ، هو تركيز الدعوة بتقرير أصولها والدفاع عنها (٢).
هذه بعض الأدلة التي تجعلنا نرجح أن سورة الأنعام كلها مكية ، وأنها نزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم جملة واحدة.
٤ ـ لما ذا سميت بسورة الأنعام؟
الأنعام لغة تطلق على ذوات الخف والحافر من الحيوان ، وهي ـ الإبل والبقر والغنم ـ وقد سميت سورة الأنعام بهذا الإسم ، لأنها فصلت الحديث عن هذه الأنواع بطريقة متعددة الجوانب ، متنوعة الأهداف.
وقد تكرر لفظ الأنعام في تلك السورة ست مرات في أربع آيات.
أما الآية الأولى فقد حكى القرآن فيها ما كانوا يفعلونه من قسمتهم الحرث والأنعام إلى قسمين : قسم جعلوه لله يتقربون به إليه عن طريق إكرام الضيف ومساعدة المحتاج.
وقسم جعلوه لآلهتهم فذبحوه على الأنصاب ، وأنفقوا منها على سدنتها وخدمها ، ثم هم بعد ذلك العمل الباطل لا يعدلون في القسمة ، يجورون أحيانا على القسم الذي جعلوه لله ؛ بينما
__________________
(١) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ، ج ١ ص ٢٨ طبعة مكتبة المشهد الحسيني سنة ١٣٨٧ ه.
(٢) تفسير القرآن الكريم لفضيلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت ص ٤٠١ طبعة دار القلم.