وأما مسلم فقلّما يوجد له غلط في العلل ، لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع والمراسيل. ومن الواضح هنا أن ابن عقدة يُفضّل مسلماً على البخاري في هذا النطاق (١).
إن الأحاديث التي انتقدت البخاري ومسلماً معاً بلغت ٢١٠ أحاديث ، اختص البخاري من فيها بأقل من ٨٠ ، وباقي ذلك تختص بمسلم. ويقول ابن حجر ، عن الاحاديث التي انتقدها الدارقطي : ان هذه المواضع مُتنازع في صحّتها ، فلم يحصل لها من التلقّي ما حصل لمعظم الكتاب (٢).
وبهذه المناسبة ، نعود للحديث عن موقف البخاري ومسلم من عكرمة ، فبالرغم من أن ابن سعد كان يؤكّد بأنه لا يحتج بحديث عكرمة ، بينما يثق الطبري به كل الثقة ويملأ تفسيره وتأريخه بأقواله والرواية عنه ، وان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وغيرهم من كبار المحدّثين وثقوه ، فإن مسلماً ترجّح عنده كذب عكرمة ، فلم يرو له إلا حديثاً واحداً في الحج ، ولم يعتمد فيه عليه وحده وانما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه (٣).
أما البخاري فقد ترجّح عنده صدق عكرمة ، فهو يروي له في صحيحه كثيراً ، فاذا كان عكرمة كذّاباً لدى مسلم ولا يثق به أبداً ، وكذلك لدى العديد من أهل العلم ، فكيف يثق به البخاري ثقة مطلقة ويملأ له حيزاً كبيراً من صحيحه؟
ومن الذين روى لهم البخاري ومسلم في صحيحهما ، إبراهيم بن سعد وهو موسيقار من العلماء بالحديث ، كان يبيح السماع ويضرب العود ويغنّي عليه ، كما وُلي
__________________
(١) سير اعلام النبلاء ـ الذهبي ١٢ : ٥٦٥.
(٢) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ٣٤٤.
(٣) اضواء على السنة المحمدية ـ ابو رية : ٣٠٤.