السفينة حتى ألجئت إلى جزيرة من جزائر البحر ، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ، ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها ، فلم يعلم إلا وامرأة قائمة على رأسه ، فرفع رأسه إليها ، فقال : إنسية أم جنية؟ فقالت ؛ إنسية ، فلم يكلمها [كلمة] حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله ، فلما أن همّ بها اضطربت ، فقال [لها] : مالك تضطربين؟ فقالت : أفرق (١) من هذا ـ وأومأت بيدها إلى السماء ـ قال : فصنعت من هذا شيئا؟ قالت : لا وعزته ، قال : فأنت تفرقين [منه] هذا الفرق ، ولم تصنعي من هذا شيئا! وإنما أستكرهك استكراها ، فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحق منك.
قال : فقام ، ولم يحدث شيئا ، ورجع إلى أهله ، وليست له همّة إلا التوبة والمراجعة ، فبينا هو يمشي ، إذ صادفه راهب يمشي في الطريق ، فحميت عليهما الشمس ، فقال الراهب للشاب : ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس. فقال الشاب : ما [أعلم أن] لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا ، قال : فأدعو أنا وتؤمّن أنت؟ قال : نعم ، فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن ، فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة ، فمشيا تحتها مليا من النهار ، ثم تفرقت الجادة جادتين ، فأخذ الشاب في واحدة ، وأخذ الراهب في واحدة ، فإذا السحابة مع الشاب ، فقال الراهب : أنت خير مني ، لك استجيب ولم يستجب لي ، فخبرني ما قصتك؟ فخبّره بخبر المرأة ، فقال : غفر الله لك ما مضى حيث دخلك الخوف ، فانظر ما تكون فيما تستقبل» (٢).
أقول : وهذا مصداق آخر من مصاديق هذه الآيات.
قال ابن عباس : (فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) فهو علقمة بن الحارث بن عبد الدار ، وأما من خاف مقام ربه : علي بن أبي طالب عليهالسلام ، خاف وانتهى عن المعصية ، ونهى عن الهوى نفسه (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى)
__________________
(١) أي أخاف.
(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٦ ، ح ٨.