بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا ، عبد الله زمانا من الدهر ، حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ، ويعوذهم فيبرأون على يده ، وإنه أتي بامرأة في شرف قد جنت ، وكان لها إخوة فأتوه بها ، فكانت عنده. فلم يزل به الشيطان يزين له ، حتى وقع عليها ، فحملت. فلما استبان حملها قتلها ودفنها. فلما فعل ذلك ، ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها ، فأخبره بالذي فعل الراهب ، وأنه دفنها في مكان كذا. ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا ، فذكر ذلك له ، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول : والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئا يكبر علي ذكره! فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم ، فسار الملك والناس ، فاستنزلوه ، فأقر لهم بالذي فعل ، فأمر به فصلب. فلما رفع على خشبته ، تمثل له الشيطان فقال : أنا الذي ألقيتك في هذا ، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك ، أخلصك مما أنت فيه؟ قال : نعم. قال : اسجد لي سجدة واحدة. فقال : كيف أسجد لك ، وأنا على هذه الحالة؟ فقال : اكتفي منك بالإيماء. فأومى له بالسجود فكفر بالله ، وقتل الرجل. فهو قوله (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ). (فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) ضرب الله هذه القصة لبني النضير ، حين اغتروا بالمنافقين ، ثم تبرأوا منهم عند الشدة وأسلموهم. وقيل : أراد كمثل الشيطان يوم بدر ، إذ دعا إلى حرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلما رأى الملائكة ، رجع القهقري ، وقال : إني أخاف الله. وقيل : أراد بالشيطان والإنسان اسم الجنس لا المعهود ، فإن الشيطان أبدا يدعو الإنسان إلى الكفر ، ثم يتبرأ منه ، وقت الحاجة. وإنما يقول الشيطان : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) يوم القيامة. ثم ذكر سبحانه أنهما صارا إلى النار بقوله : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) يعني عاقبة الفريقين الداعي والمدعو ، من الشيطان ، ومن أغواه من المنافقين واليهود ، أنهما معذبان في النار (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي وذلك جزاؤهم. ثم رجع إلى موعظة المؤمنين ، فقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ