فخرج عمر والمهاجرين والأنصار الذين كانوا مع أبي بكر يقصد في سيره حتى شارف القوم وكان قريبا منهم بحيث يراهم ويرونه ، فخرج إليهم مائتا رجل ، فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم لأبي بكر ، فانصرف وانصرف الناس معه ، وكاد أن يطير قلبه مما رأى من عدة القوم وجمعهم ، ورجع يهرب منهم ، فنزل جبرئيل عليهالسلام فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما صنع عمر ، وأنه قد انصرف وانصرف المسلمون معه.
فصعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأخبرهم بما صنع عمر وما كان منه ، وأنه قد انصرف [وانصرف] المسلمون معه مخالفا لأمري ، عاصيا لقولي ، فقدم عليه فأخبره بمثل ما أخبر به صاحبه ، فقال : يا عمر ، عصيت الله في عرشه وعصيتني ، وخالفت قولي ، وعملت برأيك ، ألا قبح الله رأيك ، وإن جبرئيل عليهالسلام قد أمرني أن أبعث علي بن أبي طالب في هؤلاء المسلمين ، وأخبرني أن الله يفتح عليه وعلى أصحابه ، فدعا عليا عليهالسلام وأوصاه بما أوصى به أبا بكر وعمر وأصحابه الأربعة آلاف ، وأخبره أن الله سيفتح عليه وعلى أصحابه.
فخرج علي عليهالسلام ومعه المهاجرون والأنصار ، فسار بهم سيرا غير سير أبي بكر وعمر ، وذلك أنه أعنف بهم في السير حتى خافوا أن يتقطعوا من التعب وتحفى (١) دوابهم ، فقال لهم : لا تخافوا فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أمرني بأمر ، وأخبرني أن الله سيفتح علي وعليكم ، فأبشروا فإنكم على خير وإلى خير ، فطابت نفوسهم وقلوبهم ، وساروا على ذلك السير التعب ، حتى إذا كان قريبا منهم حيث يرونه ويراهم ، أمر أصحابه أن ينزلوا ، وسمع أهل وادي اليابس بمقدم علي بن أبي طالب عليهالسلام وأصحابه ، فخرج إليهم منهم مائتا
__________________
(١) حفي من كثرة المشي ، أي رقت قدمه أو حافره. «لسان العرب : ج ١٤ ، ص ١٨٧».