من [أهل] فلسطين على الباقر عليهالسلام فسألوه عن مسائل ، فأجابهم ، ثم سألوه عن الصمد ، فقال : تفسيره فيه : الصمد خمسة أحرف ، فالألف دليل على إنيته ، وهو قوله عزوجل : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(١) ، وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس.
واللام دليل على إلهيته بأنه [هو] الله ، والألف واللام مدغمان ، لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع ، ويظهران في الكتابة ، دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ، ولا تقع في لسان واصف ولا أذن سامع ، لأن تفسير الإله : هو الذي أله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم ، لا ، بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس ، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة ، دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه. كما أن لام الصمد لا تتبيّن ، ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمس ، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكر العبد في ماهية البارىء وكفيته ، أله فيه وتحير ، ولم تحط فكرته بشيء يتصور له ، لأنه عزوجل خالق الصور ، فإذا نظر إلى خلقه تثبت له أنه عزوجل خالقهم ، ومركب أرواحهم في أجسادهم.
وأما الصاد فدليل على أنه عزوجل صادق ، وقوله صدق وكلامه صدق ، ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ، ووعد بالصدق دار الصدق.
وأما الميم فدليل على ملكه ، وأنه الملك الحق ، لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه.
وأما الدال فدليل على دوام ملكه ، وأنه عزوجل دائم ، تعالى عن الكون
__________________
(١) آل عمران : ١٨.