وقال محمد بن زيد الطبريّ : سمعت الرضا عليهالسلام يتكلم في توحيد الله ، فقال : «أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله ـ جل اسمه ـ توحيده ، ونظام توحيده نفي التحديد عنه ، لشهادة العقول أن كل محدود مخلوق ، وشهادة كل مخلوق ، أن له خالقا ليس بمخلوق ، والممتنع الحدث هو القديم في الأزل ، فليس عبد الله من نعت ذاته ، ولا إياه وحد من اكتنهه ، ولا حقيقته أصاب من مثّله ، ولا به صدّق من نهاه ، ولا صمد صمده (١) من أشار إليه بشيء من الحواسّ ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولا له عرف من بعضه ، ولا إياه أراد من توهّمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ، بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت محبته.
خلق الله تعالى الخلق حجابا بينه وبينهم ، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم ، وابتداؤه لهم دليل على أن لا ابتداء له ، لعجز كل مبتدأ منهم عن ابتداء مثله ، فأسماؤه تعالى تعبير ، وأفعاله سبحانه تفهيم ، قد جهل الله من حدّه ، وقد تعدّاه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه ، ومن قال : كيف هو ، فقد شبّهه ، ومن قال فيه : لم فقد علّله ، ومن قال : متى ، فقد وقّته ، ومن قال : فيم ، فقد ضمّنه ، ومن قال : إلام ، فقد نهاه ، ومن قال : حتّام ، فقد غيّاه ، ومن غيّاه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد ألحد فيه ، لا يتغير الله تعالى بتغاير المخلوق ، ولا يتحدد بتحديد المحدود ، واحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجلّ لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مباين لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسيم ، موجود لا عن عدم ، فاعل لا باضطراب ، مقدر لا بفكرة ، مدبر لا بحركة ، مريد لا بعزيمة ، شاء لا بهمّة ، مدرك لا بحاسّة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمّنه الأماكن ، ولا
__________________
(١) أي قصده واعتمده.