وقال : جهجاه دلوي ، فضرب جهجاه يده على وجه [ابن] سيّار ، فسال منه الدم ، فنادى [ابن] سيّار بالخزرج ، ونادى جهجاه بقريش ، وأخذ الناس السلاح ، وكاد أن تقع الفتنة ، فسمع عبد الله بن أبي النداء ، فقال : ما هذا؟ فأخبروه بالخبر ، فغضب غضبا شديدا ، ثم قال : قد كنت كارها لهذا المسير ، إني لأذلّ العرب ، ما ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكون عندي تغيير.
ثم أقبل على أصحابه ، فقال : هذا عملكم ، أنزلتموهم منازلكم ، وواسيتموهم بأموالكم ، ووقيتموهم بأنفسكم ، وأبرزتم نحوركم إلى القتل ، فأرمل نساؤكم وأيتم صبيانكم ، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم ، ثم قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، وكان في القوم زيد بن أرقم ، وكان غلاما ، قد راهق ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ظل شجرة ، في وقت الهاجرة (١) ، وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لعلك وهمت يا غلام؟» فقال : لا والله ما وهمت ، فقال : «فلعلك غضبت عليه؟» قال : لا والله ما غضبت عليه ، قال : «فلعله سفه عليك؟» فقال : لا والله.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لشقران مولاه : «أحدج» (٢) فأحدج راحلته وركب ، وتسامع الناس بذلك ، فقالوا : ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليرحل في مثل هذا الوقت ، فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة ، فقال : السّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال : «وعليك السّلام». فقال : ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت؟ فقال : «أو ما سمعت قولا قاله صاحبكم؟» قال : وأي صاحب لنا
__________________
(١) أي نصف النهار عند اشتداد الحر. «لسان العرب : ج ٥ ، ص ٢٥٤».
(٢) يقال : أحدج بعيرك أي شد عليه قتبه بأداته. «لسان العرب : ج ٢ ، ص ٢٣١».