غيرك يا رسول الله؟ قال : «عبد الله بن أبي ، زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» فقال : يا رسول الله ، أنت وأصحابك الأعزّ ، وهو وأصحابه الأذل.
فسار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يومه كلّه لا يكلمه أحد ، فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه ، فحلف عبد الله بن أبي أنه لم يقل شيئا من ذلك ، فقالوا : فقم بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى نعتذر إليه ، فلوى عنقه ، فلما جن الليل سار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليله كله والنهار ، فلم ينزلوا إلا للصلاة ، فلما كان من الغد نزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزل أصحابه ، وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم ، فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فحلف عبد الله أنه لم يقل ذلك ، وأنه ليشهد أن لا إله إلا الله وأنك لرسول الله ، وأن زيدا قد كذب علي ، فقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منه ، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له : كذبت على عبد الله سيدنا.
فلما رحل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان زيد معه يقول : اللهم إنك لتعلم أني لم أكذب على عبد الله بن أبي ، فما سار إلا قليلا حتى أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كان يأخذه من البرحاء (١) عند نزول الوحي عليه ، فثقل حتى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي ، فسري عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يسكب العرق عن جبهته ، ثم أخذ بأذن زيد بن أرقم ، فرفعه من الرّحل ، ثم قال : «يا غلام ، صدق قولك ، ووعى قلبك ، وأنزل الله فيما قلت قرآنا». فلما نزل ، جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)
__________________
(١) أي الشدة والمشقة. «لسان العرب : ج ٢ ، ص ٤١٠».