وأمّا الفرض الثاني وهو ما إذا كان الوجوب مشروطا بالقدرة الشرعيّة في كليهما فليس حينئذ الوجوب إلّا لأحدهما ؛ لأنّه ليس له قدرتان بل له قدرة واحدة ، فإمّا أن تصرف في هذا أو ذاك ، وحينئذ فإن كان لأحدهما تقدّم بحسب الزمان تقدّم ؛ لوجود موضوعه بلا مزاحم حينئذ ، فإذا جاء ظرف الثاني كان عاجزا فينتفي ملاكه في حقّه ، وإن لم يكن لأحدهما تقدّم زماني بل كانا متقارنين فالتخيير حينئذ إذا تساويا في الملاك وهو بحكم العقل ، يعني أنّ العقل يدرك حكم الشارع بالتخيير حيث يتساويان في الملاك ؛ إذ إيجابهما عليه محال ، وإيجاب أحدهما معيّنا بلا مرجّح ، وتفويت الملاك غير جائز من الشارع فلا بدّ من إيجاب أحدهما تخييرا بحكم الشارع والكاشف هو العقل.
وأمّا إذا كان أحدهما أهمّ ملاكا فقد ذكر الميرزا النائيني قدسسره (١) التخيير أيضا بدعوى كونه أهمّ إذا اختاره لصرف قدرته فيه ، ولا يجب عليه اختياره ؛ إذ لا يجب على الإنسان أن يصيّر الشيء أهمّ ملاكا في حقّه. والظاهر لزوم تقديم الأهمّ ؛ لأنّ شرط فعليّته ليس إلّا كونه قادرا عليه مع عدم المنع الشرعي عنه بالاستلزام بأمره بضدّه ، وهنا القدرة قبل الاختيار لأحدهما موجودة قطعا ، ولا يمكن أن ينهى الشارع عن الأهمّ حتّى استلزاما ، فالأهمّ حينئذ قد وجد موضوعه وهو القادر العقلي والشرعي ؛ إذ العجز الشرعي إنّما هو بالأمر بالضدّ فعلا ، ولا يعقل أن يأمر الشارع به ؛ للزومه تفويت الملاك الأهمّ ، فلا يعقل أن يعيّن غير الأهمّ ؛ للزوم ترجيح المرجوح ، على الراجح فيدور الأمر بين التعيين والتخيير وفي مثله لا بدّ من القول بالتعيين ، مثال ذلك : ما إذا كان قادرا على قيام إمّا في صلاة الظهر أو العصر فيقدّم القيام في صلاة الظهر وعند مجيء صلاة العصر يكون عاجزا ،
__________________
(١) فوائد الاصول (١ و ٢) : ٣٣١.