أقول يرد عليه :
أوّلا : أنّ اختلاف الرتبة لو سلّم فهو لا يوجب جواز اجتماع الضدّين في الخارج كالمثلين ، فلو فرض أنّ بياضا كان علّة لبياض آخر فإنّه مع ذلك لا يمكن أن يكون ذلك الجسم محلّا لبياضين ومتّصفا بهما معا.
وثانيا : أنّ الرتبة ليست مختلفة ؛ لأنّ اختلاف الرتبة كان مبنيّا على أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الإطلاق ، وقد بيّنّا بطلانه غير مرّة وأثبتنا أنّ استحالة التقييد تستلزم ضروريّة الإطلاق ؛ لاستحالة الإهمال في الواقع. وحينئذ فلا مانع من قول المولى : «إنّ إنقاذ الغريق عليك واجب أنقذت أم لا» ففي صورة عدم الإنقاذ يجتمع الحكمان في رتبة واحدة.
وثالثا : أنّ المقدّمة إنّما تقتضي إتيان متعلّقها وهدم عصيان نفس المتعلّق ؛ إذ كلّ أمر إنّما يدعو إلى متعلّقه في الخارج لا إلى متعلّق غيره ، فليس الوجوب الغيري في رتبة الوجوب النفسي من حيث اقتضاء الوجوب الغيري تحقّق الواجب النفسي. وحينئذ الترتّب في وجوب المقدّمة على تقدير كونها واجبة مطلقا إنّما تتبع ذا المقدّمة على تقدير الإهمال كما ادّعاه قدسسره بالإضافة إلى عصيان ذي المقدّمة المتأخّر بنحو يكون العصيان شرطا متأخّرا ، فالوجوب لذي المقدّمة قبل تحقّق العصيان المتأخّر حاصل لعدم سقوطه إلّا بعد تحقّق العصيان والحرمة أيضا فعليّة لفرض كون شرطها حاصلا في ظرفه ، فاجتمع الحكمان الفعليّان.
وبالجملة : فلو كان محذور هذا القسم من أقسام التزاحم هو طلب الضدّين ، فالجواب عنه بمنع ذلك وأنّ تقدير العصيان رافع لذلك كما مرّ ، إلّا أنّ المحذور في الحقيقة نفس الجمع بين الضدّين ولا يرتفع بما ذكره الميرزا النائيني قدسسره (١). فعلى القول بوجوب مطلق المقدّمة لا بدّ من القول بكون الدخول في الأرض المغصوبة
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ١٠٦ ـ ١١٥.