ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدسسره (١) طبّق هذه القاعدة الكلّية على التقييد بالوقت.
وربما نسب (٢) إلى المحقّق القمّي التفصيل في القيود بين ما كان دليله بمثل الأمر مثل : صلّ إلى القبلة ، فيكون قيدا حال العمد والاختيار ، وبين ما كان بمثل ، لا صلاة إلّا بطهور أو بفاتحة الكتاب (٣) ، فيكون قيدا مطلقا ؛ لأنّ الأمر لا يتوجّه نحو غير القادر لقبحه ، بخلاف مثل : لا صلاة ، ممّا تنفى فيه الماهيّة. وجوابه واضح فإنّ هذه الأوامر ليست مولويّة وإنّما هي إرشاد إلى الجزئيّة والشرطيّة فلا فرق حينئذ بين المقامين.
ثمّ إنّه إذ انتهت النوبة إلى الاصول العمليّة فهل يمكن التمسّك بالاستصحاب في إثبات الوجوب؟ الظاهر لا ؛ وذلك أنّ الشاكّ تارة يعلم بأنّ الوجوب مقيّد بالوقت ، ومع ذلك يشكّ في وجوب العمل خارج الوقت أم لا ، فهذا لا يجري الاستصحاب ؛ لأنّه يعلم أنّ ذلك الوجوب مرتفع ويحتمل حلول وجوب آخر محلّه ، فهو القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ، وهو غير حجّة كما يأتي إن شاء الله تعالى.
واخرى يحتمل بقاء الوجوب ؛ لأنّه يحتمل أنّ وجوب القيد ـ وهو الزمان ـ من باب تعدّد المطلوب لا وحدته فالوجوب لأصل العمل باق فهذا يحتمل كون الوجوب كذلك فكيف يجري فيه الاستصحاب؟ والاستصحاب لا بدّ فيه من إحراز كون المستصحب متيقّنا في السابق ولا متيقّن في المقام ؛ لأنّ هذا الوجوب بهذا النحو محتمل لا متيقّن ، هذا كلّه في الشبهة الحكميّة.
وقد ظهر أنّ مقتضى الأدلّة الاجتهاديّة والاصول العمليّة في الشبهة الحكميّة احتياج القضاء خارج الوقت إلى أمر جديد فيما إذا لم يكن دليل الواجب مطلقا ودليل المقيّد مهملا ، وأنّ المرجع في غير هذه الصورة إلى أصالة البراءة إن لم يرد دليل بالخصوص.
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ١٧٨.
(٢) لم نتحقّقه.
(٣) مستدرك الوسائل ٤ : ١٥٨ ، الباب الأوّل من أبواب القراءة ، الحديث ٥ و ٨.