وإنّما الكلام في وجه ذلك ، أمّا على مسلك الميرزا النائيني والآخوند قدسسرهما : من عدم كون ألفاظ العموم مستعملة في غير العموم ، وأنّها موضوعة لعموم المدخول ، وأنّ المدخول يختلف سعة وضيقا (١) فحجّيته ظاهرة ؛ لأنّ المدخول إذا ضاقت دائرته لم يخرج عن الحجّية من غير فرق بين المتّصل والمنفصل ، غاية الأمر أنّه في المنفصل ينكشف تقييد المدخول بعد ذلك وعند مجيء المخصّص المنفصل فهو قبل مجيئه توهم عموم للمدخول وأنّ دائرته واسعة ثمّ انكشفت حقيقة الحال بعد ذلك فظاهر إذ اللفظ بحاقّه دالّ على حجّيته في الباقي.
وأمّا على مسلكنا ـ من أنّ المتّصل من المخصّص ليس تخصيصا في الحقيقة بل هو من باب ضيق فم الركيّة ، وأنّ الإرادة الاستعماليّة والجدّية متّفقتان فيه ، وأنّ المنفصل من المخصّص وإن استعمل اللفظ فيه في العموم إلّا أنّ الإرادة الجدّية مختصّة بالخصوص وأنّ ذلك لا يضرّ بكون اللفظ مستعملا في معناه وحقيقة ـ فاللفظ بنفسه يدلّ على أنّ الباقي من الأفراد باق على حكمه السابق والدلالة حقيقة لا مجاز فيها أصلا.
وأمّا بناء على أنّ استعمال لفظ العموم في الخصوص مجاز فقد يقال بأنّ المعنى الحقيقي إذا لم يرد فالمجازات متكثّرة وتعيّن الباقي من بينها بلا معيّن ، وقد ذكر الشيخ الأنصاري قدسسره بتوضيح من الميرزا النائيني قدسسره لمرامه أنّ هذا المجاز ليس على حدّ غيره من المجازات الأفراديّة فإنّ لفظ الأسد مثلا قد وضع للحيوان المفترس ، فإذا علمنا بعدم إرادة المتكلّم لمعناه الحقيقي لا يمكن تشخيص المعنى المجازي المراد ؛ لأنّ المجازات حينئذ متباينة فتعيين بعضها بلا معيّن. وهذا بخلاف المجاز في لفظ العموم عند استعماله في الخصوص فإنّ دلالة العامّ على فرد غير منوطة بدلالته على الفرد الثاني ، وثبوت الحكم لبعضها أيضا لا يرتبط بثبوته للبعض الآخر. والمجازيّة في
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٥٥ ، وأجود التقريرات ٢ : ٣٠٩ ـ ٣١٠.