فإذا لم ينصب قرينة يعلم أنّه أراد ظاهره ، فإذا حان حين العمل ولم يعثر على قرينة بعد الفحص يجب حمل اللفظ على ظاهره. ولا فرق في ذلك بين المخاطبين والغائبين ؛ لأنّ تكليف الجميع على السواء ، فإن ظهر لنا أنّ تكليف المخاطبين من خطاب كان على خلاف ما يفهم من ظاهره لقرينة كانت ظاهرة لهم ، لزم علينا حمل اللفظ على خلاف ظاهره. وإن لم يظهر يلزم علينا حمله على ظاهره.
[ الوجه ] الثاني : أكثر تفاسير أهل العصمة بل كلّها ممّا يخالف الظواهر ، كما يظهر من الأخبار (١). فالآيات التي فسّرها المعصوم ووصل إلينا تفسيره لا يمكن حملها على الظاهر ؛ لأجل تفسير المعصوم ، وكذا التي لم يفسّرها ؛ لتأتّي هذا الاحتمال فيها (٢).
والجواب : أنّ التفاسير التي وردت منهم عليهمالسلام بعضها من ظواهر القرآن ، وبعضها من بواطنه ؛ فإنّ للقرآن ظاهرا وباطنا ، كما ورد عنهم عليهمالسلام (٣) ، ولا منع في جمعهما ، فكلّ ما ورد منهم في تفسير القرآن ممّا يخالف الظاهر فهو من بطونه. ولا يقدح هذا في جواز إرادة ما يفهم من الظاهر.
[ الوجه ] الثالث : استفاضة الأخبار بالمنع عن تفسير القرآن بالرأي ، وفي بعضها وعيد عليه (٤)(٥).
والجواب عنه أمّا أوّلا : فبأنّ المراد من التفسير بالرأي الممنوع منه هو أن يكون للإنسان ميل إلى شيء فأخذ آية من القرآن وحملها عليه ، ولولاه لم يفعل كذلك ، كما يوجد في كلام المبتدعين.
وأمّا ثانيا : فبأنّ المراد منه ما نشأ عمّن لم يظفر بدقائق القرآن وغرائبها ممّا يتوقّف على النقل والسماع ، أو بعض العلوم ، بل فسّر بمجرّد وقوفه على ظاهر العربيّة.
__________________
(١) وهي الأخبار التي تكون أخصّ مطلقا ، أو من وجه من الآيات.
(٢) حكاهما الفاضل التوني في الوافية : ١٣٦ و ١٣٧.
(٣) راجع : تفسير العيّاشي ١ : ٨٦ ـ ٨٧ ، ح ٣٣ / ٢ ، ٣٥ / ٤ ، ٣٦ / ٥ ، ٣٩ / ٨ ، والبرهان ١ : ٤٤ ، ح ١٣٩ / ١.
(٤) هذه الروايات مذكورة في مجمع البيان ١ : ٣٩ ، الفنّ الثالث ، والصافي ١ : ٣٢ ، المقدّمة الخامسة ، والبرهان ١ : ٣٩ ـ ٤٢ ، ح ١٢١ ـ ١٣٣.
(٥) حكاه الفاضل التوني في الوافية : ١٣٩ و ١٤٠.