واستدلالهم من هذا الكلام في موضعين :
أحدهما : أنّه شهد بأنّ هؤلاء لا يروون إلاّ عن ثقة.
وفيه : أنّ مرجعه إلى شهادة عدل على عدالة المجهول ، وفيه (١) ما سيجيء (٢) ، مع أنّا نرى أنّهم كثيرا ما يروون عن الضعفاء.
وثانيهما : أنّه ظهر منه أنّ الطائفة عملت بمراسيلهم.
وفيه : أنّ عملهم لم يبلغ حدّا يكون حجّة. كيف؟ وليس حال من تقدّم على الشيخ في هذا معلومة لنا ، ومن تأخّر عنه بين تابع له كالعلاّمة (٣) في بعض كتبه ، ومتوقّف فيه كالمحقّق (٤) ، ومخالف له كصاحب البشرى (٥) وجلّ من تأخّر عنه.
هذا ، مع أنّا نرى أنّ بعض مراسيلهم ممّا لم يعمل به ، أو عمل به الأقلّ.
نعم ، يمكن القول بحجّيّة مراسيلهم التي عمل به المعظم ؛ نظرا إلى ما قلنا في الخبر الضعيف (٦) ، وحينئذ لا فرق بين مراسيلهم ومراسيل غيرهم.
وذهب الشافعي إلى قبول رواية سعيد بن المسيّب ؛ نظرا إلى الأمر الثالث ، وقال : إنّي اعتبرتها ، فوجدتها مسانيد من وجوه أخر (٧).
وقد عرفت (٨) ما فيه ، مع أنّ اعتباره لا ينتهض حجّة لأحد.
فظهر ممّا ذكر أنّ الحقّ عدم القبول مطلقا.
واحتجّ القائلون بالقبول مطلقا ـ وهم الحنفيّة (٩) ، والمالكيّة (١٠) ، ورؤساء المعتزلة (١١) ، ومحمّد بن خالد البرقي (١٢) من قدماء أصحابنا ـ بوجوه :
__________________
(١) كذا في النسختين. والأولى : « فيها ».
(٢) في ص ٢٨٥.
(٣) ذهب إليه في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٥٩.
(٤) معارج الاصول : ١٥٦.
(٥) كما في شرح البداية : ٩٥. وصاحب البشرى هو السيّد أحمد بن طاوس ، ولم نعثر على كتابه.
(٦) تقدّم في ص ٢٥٥.
(٧) راجع : الخلاصة في اصول الحديث : ٦٦ ، وتدريب الراوي ١ : ١٩٩.
(٨) في ص ٢٦٦ من أنّ كون الخبر مسندا ليس مساويا لحجّيّته ؛ لأنّه يجري فيه الأنواع الأربعة.
(٩ ـ ١١) نسبه إليهم الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٣٦ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ٢٠٩ ، وتهذيب الوصول : ٢٤٠.
(١٢) نسبه إليه العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٥٩.