ومنها : أن يعلم وجوب أمر معيّن في الواقع مردّد عندنا بين امور ، أو ثبوت حكم إلى غاية معيّنة في الواقع مردّدة عندنا بين أشياء ، وعلم عدم اشتراطهما بالعلم ، فإذا اتي بواحد من الامور أو الأشياء يمكن إجراء الاستصحاب في عدم كفايته لارتفاع التكليف ، ووجوب الحكم ببقائه إلى أن يؤتى بجميع الامور ، ويحصل جميع الأشياء المردّدة فيها في نظرنا.
ومنها : أن يعلم ثبوت حكم في جميع الأزمنة بالإجماع أو النصّ أو العموم أو الإطلاق ، وشكّ في ثبوته في جزء منها غير ابتدائها لأجل معارض ، فيمكن دفعه بالاستصحاب. وإمكان دفعه بالإجماع أو النصّ أو عمومه أو إطلاقه لا ينافي إمكان جريانه فيه ودفعه به أيضا ؛ فإذا شكّ في وقوع الطلاق ببعض الألفاظ كقوله : « أنت خليّة وبريّة » فيصحّ للمستدلّ أن يقول : حلّ الوطء كان ثابتا قبل النطق بهذه ، فكذا بعده للاستصحاب ، كما يصحّ له أن يقول : إنّ الدليل المقتضي له ـ وهو العقد ـ اقتضاه مطلقا من دون التقييد بوقت ، فيلزم دوامه.
وإلى ما ذكرنا أشار جماعة من المحقّقين حيث صرّحوا بأنّ الاستصحاب على أربعة أقسام (١) :
أحدها : استصحاب حكم العموم إلى ورود مخصّص ، وحكم النصّ إلى ورود ناسخ ، وهو إنّما يتمّ بعد استقصاء البحث عن المخصّص والناسخ.
وثانيها : استصحاب حكم الإجماع في موضع النزاع ، كما يقال : الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء ؛ للإجماع على أنّه متطهّر قبله ، فيستصحب ؛ إذ الأصل في كلّ متحقّق دوامه حتّى يثبت معارض ، والأصل عدمه. وكما يقال في التيمّم : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة لا ينقض تيمّمه ؛ للإجماع على صحّة صلاته قبل وجوده ، فتستصحب حتّى يثبت دليل.
وثالثها : استصحاب حكم ثبت شرعا ، كالملك عند وجود سببه ، وشغل الذمّة عند إتلاف مال ، أو التزام إلى أن يثبت رافع.
__________________
(١) منهم : الشهيد في القواعد والفوائد ١ : ١٣٢ و ١٣٣ ، القاعدة ٣ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٧١ ، القاعدة ٩٦ ، والفاضل التوني في الوافية : ٢١٦ و ٢١٧.