أنّ القوم لمّا أثبتوا حجّيّته بالعقل ، عدّوه من الأدلّة العقليّة (١).
واحتجّ من قال بحجّيّته في موضوع الحكم دون نفسه : بأنّ الاعتماد في حجّيّته إنّما هو على الأخبار ؛ لضعف سائر الأدلّة. وهي تدلّ على حجّيّة ما في موضوعه دون نفسه ؛ لأنّها وردت في قضايا خاصّة من أفعال الإنسان وأحواله ، ويشترك كلّها في الدلالة على بنائه في هذه القضايا على يقينه السابق ، وعدم التفاته إلى شكّ في حدوث ما يعلم أنّه مزيل ، لا إلى العلم في حدوث ما يشكّ أنّه مزيل أيضا ، كما ورد : « أنّ اليقين بالطهارة لا ينقض بالشكّ في الحدث ، واليقين بطهارة البدن والثوب لا ينتقض بالشكّ في إصابة البول أو المنيّ إليهما » (٢).
وجوابه : أنّ أكثر أخبار الباب يدلّ على عدم انتقاض مطلق اليقين بمطلق الشكّ ، كما ورد في صحيحة زرارة : « ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ، ولكن ينقضه يقين آخر » (٣).
وفي صحيحته الاخرى : « فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا » (٤).
وفي صحيحته الاخرى : « ولا ينقض اليقين بالشكّ ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يختلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينتقض الشكّ باليقين » (٥).
وفي مكاتبة القاساني : « اليقين لا يدخل فيه الشكّ » (٦).
وفي موثّقة ابن صدقة : « والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة » (٧). وقس عليها أمثالها. وإطلاق اليقين والشكّ يعمّ عدم نقض مطلق اليقين بمطلق الشكّ ، سواء كان في موضوع الحكم أو نفسه.
__________________
(١) منهم : السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٣٤٣ ، والشيخ في العدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٥٢ ، وابن حمزة في غنية النزوع ٢ : ٤٢٠ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ٢٠٦ ، والعلاّمة في مبادئ الاصول : ٢٥٠ ، والشهيد في القواعد والفوائد ١ : ١٣٢ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٧١ ، القاعدة ٩٦ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.
(٢) راجع : تهذيب الأحكام ١ : ٤٢١ ، ح ١٣٣٥ ، والاستبصار ١ : ١٨٣ ، ح ٦٤١ ، ومستدرك الوسائل ١ : ٢٧٧ ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب ١ ، ح ١ ـ ٣.
(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٨ ، ح ١١.
(٤) المصدر : ٤٢١ ، ح ١٣٣٥.
(٥) الكافي ٣ : ٣٥١ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٣.
(٦) تهذيب الأحكام ٤ : ١٥٩ ، ح ٤٤٥.
(٧) الكافي ٥ : ٣١٣ ، باب النوادر ، ح ٤٠.