مع عدم خلوّ غالب الأصوات في قراءة القرآن والخطب والمناجاة وتعزية الحسين عليهالسلام ، في جميع الأعصار والأمصار ، من العلماء وغيرهم ، عن تحسين وترجيع في الجملة ، بل هو من المهيّج غالبا لما يقصد منها من الشوق إلى العالم الأعلى ، والاستشعار لعظمة ربّه وتوحيده ، والرغبة إلى الخيرات والجنّة والحزن والبكاء ، فيظهر من ذلك أنّه ليس كلّ ترجيع وتحسين صوت عندهم غناء.
وأما الترجيع المطرب : فإن أريد به مطلق التلذّذ والملائمة للطبع ، فهو لازم مطلق حسن الصوت ، وقد سمعت فساده. وإن أريد به ترجيع خاصّ وطرب مخصوص ، فلا بدّ من بيانه.
وأما التفسير بما يسمّى في العرف غناء ، فلا يفيد معنى محصّلا ، إذ لا عرف للعجم فيه ، ومرادفه في لغة الفرس غير معلوم ، ولو كان كالتعبير عنه بـ « سرود » كما في الصحاح (١) ، أو « خوانندگى وآوازه ودو بيتى » ونحو ذلك ، فهو كعرف العرب فيه غير مضبوط. غاية الأمر حصول القطع بالصدق العرفي في بعض الموارد ، كبعض الألحان الذي يستعمله أهل الفسوق غالبا في المعازف والملاهي.
وأمّا ما قيل أخيرا من اختلاف صدق ماهيّة الغناء باختلاف الكلام ، كالقرآن وغيره ، فلا محصّل له ، فإنّ الغناء من مقولة الأصوات باعتبار كيفياتها من الألحان ، لا متعلّقاتها من الألفاظ وأنواع الكلام ، كما يشهد به كلام أهل اللغة والفقهاء. وكفاك شاهدا ما مرّ من الأمر بقراءة القرآن بألحان العرب ، دون ترجيع الغناء الذي هو من لحون أهل الفسق والكبائر. فلا مدخل لخصوص الألفاظ الباطلة في ماهيّة الغناء ، وإن قلنا بإباحته في بعض الكلمات ، كما لا مدخل لخصوص مجالس الملاهي واقترانه بمحرّم خارجي ، كضرب العود والتكلّم بالباطل فيه ، وإن احتمله كلام بعضهم.
__________________
(١) صحاح اللغة : ١٧٢.