مدلول أحدهما وخلاف الآخر ، فلا يوجب استصحاب أحدهما ثبوت الآخر ، لما مرّ من منع التلازم بينهما في الوجود الاستصحابيّ التعبّديّ.
وأمّا وجه ترك العمل بالأحكام المترتّبة على ثبوتهما مجتمعا ، فللعلم بانتفائها اللازم للعلم بانتفاء أحدهما في الفرض ، ففي المائين المشتبهين يحكم بطهارة ما لاقى أحدهما ، دون ما لاقيهما معا. وفي المشتبهين بالإضافة يحكم بعدم صحّة الوضوء من أحدهما دون الجميع. وفي المال المردّد بين زيد وعمرو يحكم بصحّة بيعهما معا. وهكذا.
ولا يتوهّم النقض بالحكم بالاستحباب فيما دار الأمر بينه وبين الوجوب ، مع أنّ كلّا منهما خلاف مقتضى الاستصحاب ، إذ ليس هو من باب ترجيح أحد الاستصحابين ، بل لثبوت الرجحان المشترك بينهما ، حسب ما مرّ ، ويحكم بخصوص الاستحباب ـ حينئذ ـ من باب أصالة البراءة عن حرمة الترك ، إذ الرجحان الغير الممنوع عن الترك هو معنى الاستحباب.
ومن هذا القبيل ـ المتفرّع على ما ذكرناه ـ الحكم بوجوب الأمرين المشتبهين المردّد بينهما الواجب ، فإنّه بالاستصحاب ينفي الوجوب الأصليّ المخصوص بكلّ منهما ، من حيث خصوصيته في الظاهر ، ولكن لا يمكن نفي وجوبه في الواقع ، لعدم العلم به ، وعدم كون الاستصحاب ناظرا إليه ، بل المعلوم من الواقع وجوب أحدهما معيّنا فيه ، غير معيّن عندنا ، وما هو المعلوم كذلك لم يثبت سقوط التكليف عنه ، بل مقتضى الأدلّة الشرعية المحمولة على مدلولاتها النفس الأمرية بقاء التكليف به ووجوب الأمرين معا (١) من باب المقدّمة ، تحصيلا للبراءة اليقينية عن الشغل المعلوم. ولا ينافي هذا نفي وجوب كلّ منهما أصالة ، إذ الوجوب المحكوم به من
__________________
(١) في الأصل : تبعا.