ومن التنقيح ، بعد نقل عدم صحة بيع ما يراد طعمه وريحه من غير اختبار عن أبي الصلاح والقاضي وسلّار : لأنه مجهول ، فهو بيع غرر ، وقد نهى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر ، إلى غير ذلك من كلمات المتقدّمين والمتأخرين في موارد مختلفة.
ويظهر من كلمات هؤلاء الأعلام واللغويين وغيرهم : أنّهم متّفقون على أخذ الجهالة والخطر في معنى الغرر ، بل لولاه وجب الوقوف (١) عليهما أيضا ، أخذا بالمتيقّن من النهي ، مضافا إلى تبادره فيهما. إذ لا غرور ولا خداع مع الأمن من الضرر أو العلم به فيما علم البناء على التغابن فيه.
فإن قلت : فعلى هذا يلزم صحة بيع الضال والآبق والطير في الهواء عند العلم بعدم حصولها ، مع أنّ الظاهر اتفاق كلماتهم الشاملة بإطلاقها لصورة العلم في اشتراط القدرة على تسليم المبيع ، استنادا إلى نفي الغرر.
قلت : بطلان البيع فيما ذكر مسلّم ، ولكنّه مع العلم ليس لكونه غررا ، بل لأنّه من باب أكل المال بالباطل ، فإنّ مع العلم بعدم الحصول يخرج عن كونه مالا وإن كان ملكا ، ويكون في حكم عدمه وخلوّ الثمن عن العوض. نعم ، لو فرض له منفعة كعتق الآبق للكفارة ، فلا نسلّم بطلانه مع العلم.
وأمّا إطلاق تمسّكهم بنفي الغرر فيما ذكر ، فهو مبنيّ على الغالب من عدم انسداد باب الاحتمال.
وبالجملة : فلا غرر مع العلم بالضرر ، ولا مع الجهل بالمبيع وعدم المخاطرة ، كبيع أحد عبدين متساويين في القيمة والصفة ، وإن كان باطلا باعتبار الجهالة الواقعية ، والإطلاق في بطلان المجهول بنفي الغرر في بعض الكلمات مبنيّ على الغالب أو الغفلة والتسامح.
__________________
(١) كذا.