التحقيق أن يقال : أنه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا في وجوب الاجتناب عن الحرام المردّد بينهما إذا كان الابتلاء دفعة وعدمه ، لاتّحاد المناط في وجوب الاجتناب.
نعم ، قد يمنع الابتلاء دفعة في التدريجيات كما في مثل الحيض ، فإن تنجّز تكليف الزوج بترك وطء الحائض قبل زمان حيضها ممنوع ، فإنّ قول الشارع : ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (١) ظاهر في وجوب الكفّ عند الابتلاء بالحائض ، إذ الترك قبل الابتلاء حاصل بنفس عدم الابتلاء ، فلا يطلق بهذا الخطاب.
ويشكل الفرق بين هذا وبين ما إذا نذر أو حلف ترك الوطء في ليلة خاصة ، ثم اشتبهت بين ليلتين أو أزيد ، ولكنّ الأظهر هنا وجوب الاحتياط.
إلى أن قال : فحيث لا يجب الاحتياط في الشبهة التدريجية ، فالظاهر جواز المخالفة القطعية ، لأنّ المفروض عدم تنجز التكليف الواقعي بالنسبة إليه ، فالواجب : الرجوع في كل مشتبه إلى الأصل الجاري في خصوص ذلك المشتبه إباحة وتحريما ، فيرجع في مثال المضطربة إلى استصحاب الطهر إلى أن يبقى مقدار الحيض ، فيرجع فيه إلى أصالة الإباحة ، لعدم جريان استصحاب الطهر ، انتهى.
أقول : وللنظر فيه مجال ، لأنّ الابتلاء بالمعلوم الإجمالي لا يتفاوت فيه الحال بين الدفعي والتدريجي مع العلم بحصوله ، بل تناول الدفعيات أيضا تدريجي حقيقة ، فإنّ قطيع غنم في الشبهة المحصورة لا يمكن أكل كلّه دفعة.
وبالجملة أيّ فرق فيما إذا علم وجود شخص كافر في جملة عدد محصور يأتيك متعاقبا ، وحيض ناسية الوقت في الشهر ، فكيف يمنع تنجّز التكليف بترك
__________________
(١) البقره : ٢٢٢.