والتمسّك بنفي العسر في مثل ذلك لا يفيد أزيد من جواز الارتكاب ، من قبيل الاضطرار في أكل الميتة وتناول مال الغير في المخمصة ، لا الطهارة والملكية ، وعدم النجاسة وعدم الاشتغال بحق الغير أو صحّة البيع وأمثال ذلك. ومع ذلك يختصّ الرخصة المستفادة منه بموارد تلك المخمصة وتدور مدارها ، لا مطلقا.
وليس من قبيل تمسّك بعضهم لطهارة الحديد بنفي العسر والحرج ، فإنّه تعليل وإبداء حكمة لتأسيس حكم واقعي لا لرفع حكم ثابت ، وبينهما فرق بيّن.
ومنها : أصالة البراءة. والخروج عن مقتضاها في الشبهة المحصورة ، إنّما هو لإمكان ارتكاب الجميع عادة ، فيحصل اليقين باستعمال الحرام إذا تنجّس ، بخلاف غير المحصور ، فلا يتحقّق العلم به عادة.
وفيه : أنّ هذا يجري في غير مقدار الحرام في المحصور أيضا ، فلا يحصل به الفرق بينهما ، وأمّا في مقداره ، فعدم إمكان وقوع موضوعه في غير المحصور لا يوجب الحكم بالحلّية ، لتعليقها على وجوده.
وربما يوجّه : بأنّ وجوب الاجتناب عن الكلّ إنّما هو مع تنجّز التكليف بالحرام الواقعي ، وهو حاصل في المحصور ، للعلم بوقوعه فيما يمكن ارتكابه ، أعني : الجميع ، بخلاف غير المحصور ، فإنّ ما يمكن من المحتملات فيه لا يعلم منه الحرمة ، فلا تكليف به حتّى يستدعي اليقين بالبراءة ، وما علم وقوعه منه غير ممكن الاستعمال ، فلا يتعلّق التكليف بالمعلوم الإجمالي الواقع منه حتّى يستدعي البراءة. وضعفه يظهر مما تقدّم.