نعم ، لو علم ضرر الجار ، مع العلم أو غلبة الظنّ بضرر نفسه في ترك التصرف ، تعارض الضرران ، وقد تقدم في بيان القاعدة تفصيل حكمهما حينئذ.
ومنها : تعارض السبب للمباشرة ، فاختلفوا في بعض الموارد فيما هو الأقوى منها ، كفكّ القيد عن العبد الآبق ، فإنه لا خلاف ظاهرا في الضمان في حلّ القيد عن العبد المجنون ، لأنه في حكم حلّه عن فرس فشرد ، وفتح قفس عن طائر فطار ، ولضعف المباشر لعدم التمييز. وفي المبسوط (١) وظاهر التذكرة : الإجماع عليه.
وأما العبد العاقل إذا فكّ وأبق ، فالمعروف بينهم عدم الضمان ، لقوة المباشر بالعقل والاختيار ، واستناد التلف إلى فعل العبد باختيار نفسه. ولا يخفى أنّ المال الفائت عن المالك هنا هو العبد نفسه واختياره الفرار مسبّب عن حلّ قيده ، فيكون مضمونا على فاعله المولد لإرادته ، كإحضار الطعام المسموم عند الجاهل.
نعم الظاهر : اختصاص ذلك بما إذا كان العبد مما يتوقع منه ذلك ، ولو احتمالا يعتني به ، كالعبد الآبق ، كما أفتى بالضمان ـ حينئذ ـ بعض مشايخ والدي بعد نقله عن غيره أيضا ، نافيا لشمول الإجماع المحكيّ عنهم له.
وأمّا إذا لم يتوقّع منه ذلك ، واتفق اباقه أحيانا بعد الفك ، فهو من الشرط الذي لا يوجب الضمان ، ولو عصى ، لعدم إذن المالك ، كما مر. ولعل هذا القسم منظور القوم في نفي الضمان.
ومنها : كونه مما استشكل في كونه مما يتوقع منه الضرر ، فيوجب الضمان أم لا؟
كما إذا فتح رأس ظرف لا يضيع ما فيه بفتحه متى كان في محلّه ، فاتّفق سقوطه بهبوب ريح أو هبوط طائر ، فضاع ما فيه ، فاختلف في ضمان الفاتح ، ولعل الأجود عدمه ، كما اختاره الفاضل ، لعدم كونه ممّا يتوقع منه ويقصد به التلف ، إلّا إذا كان
__________________
(١) المبسوط ٣ : ٨٩.