ونستنتج من استعراض النماذج السابقة : إن الإِنسان يمتاز بمكانة خاصة من جهة الإِرادة والاختيار . فالحيوانات تنقاد للهداية التكوينية دون أي قيد أو شرط ، وتنفذ أوامر الغرائز الكامنة فيها بجبر ودون أي قدرة على الخروج . لكن الإِنسان حر في تنفيذ أوامر العقل . وهنا يجب أن لا نغفل نقطة مهمة هي : إن جسد الإِنسان وروحه ، صورته ومعناه ، عقله وإرادته ، وبصورة موجزة : ذاته وجميع صفاته في قبضة القدرة الإِلٰهية . إنه مخلوق وجد بإرادة الخالق القاهرة ، إنه موجود تمتع بالوجود بفضل إرادة موجده ، وإن وجوده قائم به . والحرية الحقيقية ، والإِختيار الكامل إنما يكونان للخالق العظيم الذي تكون ذاته المقدسة وصفاته الكمالية قائمة بذاته الأزلية ، والذي لا يحتاج إلى أحد ، في حين أن الجميع يحتاجونه ، وعلى هذا فإن الإِنسان ليس مجبراً ولا مكتوف اليدين في أعماله لأن أفعاله مستندة إلى العقل والإِرادة وليس أسيراً للغرائز كسائر الحيوانات ، ومن جهة أُخرى فليس الإِنسان مختاراً مطلقاً وحراً بلا قيد أو شرط لأنه هو وحياته وجميع صفاته قائمة بذات الله تعالى ، والمختار المطلق والقادر الحقيقي هو الله القائم بذاته ، والإِنسان واقع في مرحلة وسطى بين المختار المطلق والمجبر المطلق.
يقول الإِمام الصادق عليهالسلام : « لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين » (١) .
« . . . عن أبي الحسن الرضا ، قال : قلت له : إن أصحابنا بعضهم يقول بالجبر وبعضهم يقول بالاستطاعة . فقال لي : أكتب ، قال الله تعالى : يا ابن آدم ، بمشيتي كنت أنت الذي تشاء ، وبقوتي أديت إلي فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي » (٢) .
يستفاد من كلام الإِمام الرضا عليهالسلام أن الإِنسان ليس مجبراً ، لأنه يعمل باختياره ولكن إختياره يستند إلى الإِفاضة الإِلهية ، فهو يملك إرادة بإرادة الله ويملك قدرة بقدرة الله ، والعبارة الجامعة في هذا المقام هي الجملة التي يقولها
____________________
(١) بحار الأنوار للمجلسي ج ٣ ص ٦ .
(٢) عيون أخبار الرضا ج ١ ص ١٤٤ .