تلك المدينة بالتسمم الفكري والروحي فمن المحتمل أن يتسبب هؤلاء في تسمم أهل المدينة كلهم ، وقد يؤدي وجود ألف فرد منحرف في دولة إلى إنهيار تلك الدولة بأجمعها .
من السهل إعادة الصحة والسلامة لمن أصيب بالتسمم الناشىء من تناول طعام فاسد بالعناية الصحية الدقيقة ، أما الفكر المسموم والمشبع بالأفكار الخاطئة والمنحرفة فإعادة السلامة إليه من الأمور الصعبة جداً . إن خطر إناء من الدوندرمة الفاسدة في محل أقل بكثير من خطر فلم مسموم وهدام . وحين يقدم أبو الاسرة على شراء طعام لأطفاله يحاول التأكد من سلامة ذلك الطعام ، أما حين يقدم على شراء كتاب أو مجلة ليضعها في متناول أيدي أطفاله فهو لا ينتبه إلى أن هذه المجلة إنما هي غذاء أرواحهم فإن كان فاسداً أُصيبت الأسرة بأجمعها بذلك التسمم الفكري .
« عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : ما لي أرى الناس إذا قرب إليهم الطعام ليلاً تكلفوا إنارة المصابيح ليبصروا ما يدخلون بطونهم ، ولا يهتمون بغذاء النفس بأن ينيروا مصابيح ألبابهم بالعلم ، ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب في إعتقاداتهم وأعمالهم » (١) .
« قال الحسن بن علي عليهالسلام : عجبت لمن يتفكر في مأكوله ، كيف لا يتفكر في معقوله ، فيجنب بطنه ما يؤذيه ، ويردع صدره ما يريده » (٢) .
إن الذي يهتم بصحته لا يتناول طعاماً من يد شخص مصاب بالسل أو الجدري لأنه لا يطمئن إلى سلامة الطعام ونظافته . هناك أفراد مصابون بالأمراض الروحية والخلقية ولذلك فإن أقوالهم وكتاباتهم التي تعبر بمثابة غذاء روحي للناس ليست مأمونة ، وذلك لأن من الممكن أن يلوث فساد الفكر ألسنتهم وأقلامهم أيضاً ويؤدي ذلك إلى إنتشار الإِنحراف والفساد في المجتمع . إلى هذا يشير الإِمام الباقر والإِمام الصادق في تفسير الآية موضوع البحث : ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ) قال عليهالسلام : علمه الذي يأخذه عمن يأخذه
____________________
(١) سفينة البحار للقمي ص ٨٤ ـ مادة طعم .
(٢) نفس المصدر ، والصفحة .