ولأجل إتضاح الوجدان الأخلاقي الفطري ، وللتمهيد إلى الحديث عن كيفية الإِدراك الفطري لقتل النفس وطائفة من الصفات الخلقية الأُخرى لا بد من ذكر مقدمة :
إن لفوهة البندقية حركتين : إحداهما ناشئة من إحتراق المواد الداخلية للطلقة ، والثانية الحركة الطبيعية . ففي الصورة الأولى إذا حركنا زناد البندقية ووجهنا الفوهة إلى أي جانب فإن الطلقة تندفع إلى ذلك الجانب ، وفي الصورة الثانية إذا تركنا فوهة البندقية حرّة في الفضاء ودون حركة . فإن الطلقة تندفع إلى جانب واحد وهو جهة الجاذبية الطبيعية للأرض .
فإذا أردنا قياس الحركة الطبيعية للرصاصة فيجب أن نتركها حرة في الفضاء تماماً ، ولا نخضعها لتأثير أي عامل مخالف .
إن الوجدان الأخلاقي والميول الباطنية للإِنسان تشبه الحركة الطبيعية للرصاصة . فإذا أردنا أن نعرف الإِدراك الخلقي والوجدان الفطري للإِنسان يجب علينا أن نبحث على إنسان طبيعي مائة في المائة . . الإِنسان الذي لم يخضع لأي تأثير مخالف . فمثلاً إذا أردنا أن نعرف مدى قبح قتل النفس في الوجدان الفطري عند الإِنسان ، يجب أن نبحث على إنسان لم تلوث فطرته ولم يتغلب على إدراكه الباطني عارض من العوامل المختلفة . فإن من يرتكب جريمة قتل لوقوعه تحت تأثير الشهوة أو الغضب ، أو أن من يقتل الناس في ساحة الحرب على أساس التعصب وطلباً للشهرة ، أو أن يرتكب جريمة شنيعة حصولاً على المال أو وصولاً إلى الجاه . . . هؤلاء لا يمكن أن يكونوا مجالاً مناسباً للبحث عن الإِدراك الفطري للوجدان الأخلاقي عند الإِنسان ، لأن حركة هؤلاء تشبه الرصاصة المندفعة تحت تأثير الإِحتراق الداخلي للبارود ، إذا أن حركتها غير طبيعية .
ولأجل أن يسلب فرويد قبح قتل النفس من إدراك
الوجدان الأخلاقي وينسبه إلى ندامة القاتل من عواقب الجريمة الوخيمة ، يفترض قبيلة خيالية في فكره ، ثم يصنع من الشهوة الجنسية بطلاً للأسطورة حيث يقدم على قتل الأب