القرآن الكريم بهذه الحقيقة منذ ذلك الحين حيث قال الله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ) (٢) . أي أن الله جعل نسل الإِنسان من خلاصة ماء حقير وضعيف ، فليس العامل في إبقاء نسل الإِنسان هو هذا الماء الحقير الذي يخرج منه كله بل جزء منه ، وهو خلاصته ( سلالته ) .
ويتضح تنبّه الإِمام علي بن أبي طالب عليهالسلام إلى هذه الحقيقة من خلال الفقرة التالية :
« جاء رجل إلى علي عليهالسلام ، فقال : يا أمير المؤمنين كنت أعزل عن امرأتي ، وإنها جاءت بولد . فقال علي عليهالسلام : ـ وأناشدك الله هل وطأتها ثم عاودتها قبل أن تبول ؟ قال : نعم . قال : فالولد لك . . . » (٣) .
من هذه الجملة ، يعلم أن الرجل كان يعزل ( يقذف السائل المنوي خارج مهبل زوجته ) لمنع الحمل ، ومع ذلك فقد حدث أن حملت المرأة فأدى الأمر إلى أن يشك الرجل في زوجته فجاء يسأل علياً عليهالسلاموإلا فإنه لم يكن يرضى بأن يفشي سره . فنجد الإِمام عليهالسلام حين يسمع بالقصة يسأله هل اتفق له أن جامع زوجته مرتين من دون أن يبول في الأثناء ، فأجابه بوقوع ذلك ، فصرح الإِمام بأن الولد له .
والسر في ذلك واضح ، لأنه عليهالسلام كان يعلم أن ذرة صغيرة من النطفة كافية لأن تلقح بويضة المرأة فتحمل ، فبما أن الرجل جامع زوجته في المرة الأولى ثم قذف السائل خارجاً وبقي مدة لم يبل فيها فبقيت الحيامن في المجرى ، وحين جامعها للمرة الثانية خرجت إحدى تلك الحيامن ولقحت المرأة من دون أن يشعر ، وبالرغم من أنه قذف السائل خارجاً في المرة الثانية إلا أن الحيامن المتبقية في المجرى كانت قادرة على الإِحتفاظ بنشاطها لمدة ٤٨ ساعة وكذلك فعلت .
* * *
____________________
(١) سورة السجدة ؛ الآية : ٧ .
(٢) بحار الأنوار للمجلسي ج ٢٣ / ١٠٧ .