الْقَني الليل بين عسكري وعسكرك». فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارساً ، وأقبل حسين في مثل ذلك ، فلمّا التقوا أمر حسين أصحابه أن يتنحوا عنه ، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك.
قال : فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما ، فتكلّما فأطالا حتّى ذهب من الليل هزيع ، ثمّ انصرف كلّ واحد منهما إلى عسكره بأصحابه ، وتحدّث الناس فيما بينهما ظنّاً يظنونه أن حسيناً قال لعمر بن سعد : اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين. قال عمر : إذن تُهدم داري. قال : أنا أبنيها لك. قال : إذن تؤخذ ضياعي. قال : إذن أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز. قال : فتكره ذلك عمر. قال : فتحدّث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علموه.
قال أبو مخنف : وأمّا ما حدّثنا به المجالد بن سعيد ، والصقعب بن زهير الأزدي وغيرهما من المحدّثين فهو ما عليه جماعة المحدّثين ، قالوا : إنّه قال : اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً ؛ إمّا أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيّروني إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلاً من أهله ، لي ما لهم وعليّ ما عليهم.
قال أبو مخنف : فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثني :
«عن عقبة بن سمعان قال : صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قُتل ، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلاّ وقد سمعتها. لا والله ، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال : دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس».