والبراءة منه ، فمَنْ يرفض لعن علي عليهالسلام وسبّه كان نصيبه أن يسقط اسمه من ديوان العطاء ، بل كان نصيب كلّ متّهم بحبّ علي هو أن يسقط اسمه من ديوان العطاء. وليس من شك أنّ المخلصين والواعين من الشيعة لا تطيب نفوسهم بسبّ علي عليهالسلام حتّى في حالات الضرورة المسموح بها ، فضلاً عن البراءة وهي غير مسموح بها ؛ لأنّها أمر قلبي. وقد كان هذا الاُسلوب الذي استخدمه معاوية أقوى اُسلوب لتصفية الجيش وقوى الأمن الداخلي من الشيعة ، بل من كلّ متّهم بحبّ عليٍّ عليهالسلام.
إجراءات زياد بن عبيد الثقفي في الكوفة :
كان زياد بن عبيد الثقفي الذي غيَّرَ نَسَبَه معاوية في قصة معروفة إلى زياد بن أبي سفيان ، يعتبر بحقّ باني الجيش الاُموي في العراق وقوى الأمن الداخلي فيه. وكانت من أهم إجراءاته في هذا السبيل ـ إلى جنب صرامته في تطبيق السياسة العامّة التي أشرنا إليها آنفاً ـ أربعة اُمور أساسيّة هي :
الأوّل : إحياء الخروج الإلزامي للغزو ، وهو أوّل إجراء اتّخذه عند قدومه الكوفة. قال البلاذري : لمّا استعمل معاوية زياداً حين هلك المغيرة (١) على الكوفة جاء حتّى دخل المسجد ثمّ خطب ، فقال : … وأيّ رجل مكتبه بعيد فأجله سنتان ، ثمّ هو أمير نفسه ، وأيّ رجل مكتبه قريب فأجله سنة ، ثم هو أمير نفسه (٢).
__________________
(١) هلك سنة ٥٠ هجرية ، وقيل : سنة ٥١ هجرية.
(٢) أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ١٩٨. كان نظام التجنيد على عهد الرسول صلىاللهعليهوآله اختيارياً ، وكذلك في عهد أبي بكر ، وشطراً من عهد عمر ، ثمّ صيّره عمر إلزامياً ونقل الطبري (٣ / ٤٧٨) عن عمر قوله : ولا تدعو في ربيعة أحداً ، ولا مضر ولا حلفائهم أحداً من أهل النجدات ، ولا فارساً إلاّ اجتلبتموه ، فإن جاء طائعاً وإلاّ حشرتموه. وذكر المقريزي : أنّ الأمير قبل ذلك كان يقري البعوث على قدر المسافة ؛ إن كان بعيداً فسنة ، وإن كان دون ذلك فستّة أشهر ، فإذا أخلّ الرجل بثغره نزعت عمامته واُقيم في مسجد حيّه ، فقيل : هذا فلان قد أخلّ. (الإدارة في العصر الاُموي ـ نجدت خماش / ٢٦٨ ، عن المقريزي ١ / ١٧٢).