الخمسة من تصدّيه المعلن ، الذي انتهى بشهادته المرتقبة من قِبَله ومن قِبَل الأمّة ، ثمّ جعل الله تعالى شهادة الحسين عليهالسلام وظلامته أوسع الأبواب لتتحرّك تلك البدايات باتّجاه تحقيق تينك القضيتين بأتمّ درجة مرجوّة. وفيما يلي بيان مختصر عن ذلك ونفضّل البدء بالحديث عن القضية الثانية أوّلاً :
تفهيم الأمّة أنّ الدّين يدعو إلى الإطاحة ببني اُميّة :
يتّضح تحقّق هذا الهدف من معرفة حال حركة الأمّة ، ووضع الدولة الاُمويّة خلال السنوات السبعين التي تلت قتل الحسين عليهالسلام.
لقد كان حال الأجيال الجديدة آنذاك ـ وهم أكثرية الأمّة ـ قبل حركة الحسين عليهالسلام هو التأثر بالضلال الأموي ، ومن ثمّ التعامل مع الحاكم الأموي على أنّه خليفة الله وحجّته ، وأنّ طاعته هي الدين ، ومن هؤلاء مَنْ هو رعية ، ومنهم مَنْ هو في الجيش والشرطة والإدارة.
ونموذج هذا القسم الثاني شمر بن ذي الجوشن ، إذ كان يدعو الله بعد الصلاة ليغفر له ، فيقول له صاحبه : كيف يغفر لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله؟! قال : ويحك! فكيف نصنع؟ إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاء (١) ، (يريد إنّ معصية خليفة الله توجب النار).
وأمّا حال الأجيال السابقة فإنّ أكثرهم يفهم الانحراف على أنّه تعطيل الأحكام والاستئثار بالفيء ، غير أنّهم يخشون صولة النظام وبطشه ، وقلّة منهم ـ وهم شيعة علي الذين صبَّ النظام الأموي جام غضبه عليهم ـ يفهمون أنّ الذي يجري إنّما هو محق لرسالة النبي صلىاللهعليهوآله.
وبإزاء هذا الوضع ليس من راية للتغيير ، أو ثائر على النظام إلاّ الخوارج ، وهؤلاء لا يتعاطف معهم أحد ؛ لأنّهم يكفِّرون كلّ الناس من جهة ، ويبادئون الأبرياء بالقتال من جهة
__________________
(١) لسان الميزان (ترجمة شمر بن ذي الجوشن).