قال إبراهيم بن محمد الرماني (أبو نجيح) : سمعت حسن بن زياد يقول : سمعت أبا حنيفة وسُئل : مَنْ أفقه مَنْ رأيت؟ فقال : ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد (١) ؛ لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد ، فهيّئ له من مسائلك تلك الصعاب. فقال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي أبو جعفر فجلست ، ثمّ التفت إلى جعفر فقال : يا أبا عبد الله ، تعرف هذا؟ قال : «نعم ، هذا أبو حنيفة». ثمّ أتبعها : «قد أتانا». ثمّ قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك ، سل أبا عبد الله. فابتدأتُ أسأله ، قال : فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتّى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ، ثمّ قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟(٢)
تحرّك هؤلاء الأئمّة الثلاثة من ذرّية الحسين عليهالسلام في الأجواء التي صنعتها شهادة الحسين وظلامته ، لا باتّجاه تعريف الناس بتكليفهم إزاء السلطة الاُمويّة الذي تبلور وتعمّق بما فيه الكفاية ، بل باتّجاه أمرين آخرين كانا بحاجة إلى بلورة وتأسيس وهما :
البكاء على الحسين عليهالسلام والحزن عليه :
١ ـ البكاء على الحسين عليهالسلام والحزن عليه كحالة لا تبرد بمرور الزمن ، وسلوك يُثاب عليه فاعله لبكاء النبي صلىاللهعليهوآله ، وبكاء الأنبياء السابقين عليه ، في قبال البكاء أو الحزن الذي يبرد بمرور الزمن لأنّه سلوك مبني على الانفعال العاطفي ليس إلاّ. وقد جسّد الأئمّة ذلك بقولهم وسلوكهم.
__________________
(١) الكاشف ـ للذهبي ١ / ٢٩٥ ، تذكرة الحفاظ ١ / ١٦٦.
(٢) الكامل في الضعفاء ـ لابن عدي ٢ / ١٣١ ، تهذيب الكمال ٥ / ٧٤.