ندم الحر وتوبته :
قال أبو مخنف : عن أبي جناب الكلبي ، عن عدي بن حرملة قال : ثمّ إنّ الحرّ بن يزيد لمّا زحف عمر بن سعد ، قال له : أصلحك الله ، مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
قال : فأقبل حتّى وقف من الناس موقفاً ومعه رجل من قومه يُقال له قرّة بن قيس ، فقال : يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا. قال : أما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت له : لم أسقه ، وأنا منطلق فساقيه. قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه. قال : فوالله لو أنّه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين عليهالسلام.
قال : فأخذ يدنو من الحسين عليهالسلام قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه يُقال له : (المهاجر) ابن أوس : ما تريد يابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت ، وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يابن يزيد ، والله إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت منّك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي : مَنْ أشجع أهل الكوفة رجلاً؟ ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك؟!
قال : إنّي والله اُخير نفسي بين الجنّة والنار ، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعت وحُرِّقت. ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليهالسلام ، فقال له : جعلني الله فداك يابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستُك عن الرجوع ، وسايرتُك في الطريق ، وجعجعتُ بك في هذا المكان. والله الذي لا إله إلاّ هو ، ما ظننت أن القوم يبلغون منك هذه المنزلة ، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي ، ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، أفترى لي توبة؟
قال : «نعم ، إن تبت يتوب الله عليك ويغفر لك».
فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال : أيّها القوم ، بئسما خلفتم محمّداً في ذريته! ها هم أولاء قد صرعهم العطش ، حلأتموهم عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والمجوس والنصارى ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه.