قالوا له : لم نفعل. فقال عليهالسلام : «سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم».
ثمّ قال : «أيّها الناس ، إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض».
قال : فقال له قيس بن الأشعث : أوَ لا تنزل على حكم بني عمّك ، فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه.
فقال له الحسين : «أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد ، عباد الله إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون ، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب» (١).
ثمّ قال : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد» (٢).
ثمّ التفت إلى العسكر قائلاً :
تبّا لكم أيتها الجماعة وترحاً ... تداعيتم إلينا كتداعي الفراش هلعاً وذلّة لطواغيت الأمّة ، وشذّاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، وغضبة الآثام ، وبقيّة الشيطان ، ومحرّفي الكلام ، ومطفئي السنن ... الذين جعلوا القرآن عضين. لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون!
فهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون؟ ألا وإنّ (ابن الدعي) قد ركن (ركز) بين اثنتين ؛ بين المسألة والذلّة ، وهيهات منّا الدنية (الذلّة) ، يأبى الله (لنا) ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت (وطهرت) ... ، واُنوف حميّة ، ونفوس أبيّة أن تؤثر مصارع الكرام على ظئار اللئام» (٣).
ثم تمثّل :
فإن نَهزِم فهزّامون قدماً |
|
وإن نُهزَم فغير مُهزّمينا |
وما إن طبّنا جُبنٌ ولكن |
|
منايانا وطعمة آخرينا (٤) |
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٢٢.
(٢) تاريخ ابن عساكر ١٤ / ٢١٩.
(٣) ظئار : اللئام إظهار حبّهم وعطفهم.
(٤) يختلف نصّ الخطبة عند أبي مخنف عن نصّها عند ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٩ ، وقد اخترنا من الخطبتين المقاطع التي نرى أنّها صحيحة.