فلمّا فرغ ابن زياد من مقالته وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثمّ الغامدي ثمّ أحد بني والبة (وكان من شيعة علي ، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي ، فلمّا كان يوم صفين ضُرب على رأسه ضربة وأخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى ، فكان لا يكاد يُفارق المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل ثمّ ينصرف).
فلمّا سمع مقالة ابن زياد قال : يابن مرجانة ، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولاّك وأبوه. يابن مرجانة ، أتقتلون أبناء النبيين وتتكلّمون بكلام الصديقين؟! فقال ابن زياد : عليَّ به.
فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه : فنادى بشعار الأزد : يا مبرور. قال : وعبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس فقال : ويح غيرك! أهلكت نفسك وأهلكت قومك. قال : وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمئة مقاتل ، قال : فوثب إليه فِتية من الأزد فانتزعوه ، فأتوا به أهله ، فأرسل إليه مَنْ أتاه به فقتله ، وأمر بصلبه في السَّبخة فَصُلِب هنالك.
موقف زيد بن أرقم :
قال الطبري : لمّا وضِع رأس الحسين عليهالسلام بين يدي ابن زياد أخذ ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة ، فلمّا رآه زيد بن أرقم لا ينجُم (١) عن نكته بالقضيب ، قال له : اعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين ، فوالذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله صلىاللهعليهوآله على هاتين الشفتين يقبّلهما ، ثمّ انفضخ الشيخ يبكي. وفي رواية الذهبي ، عن أبي داود السبيعي ، فقال له ابن زياد : ما يبكيك أيّها الشيخ؟ قال : يبكيني ما رأيت من رسول الله صلىاللهعليهوآله رأيته يمصّ موضع هذا القضيب ويلثمه ، ويقول : «اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه» (٢).
فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، فوالله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. قال : فنهض فخرج.
__________________
(١) لا ينجُم : أي استمر ينكته بالقضيب.
(٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٥.