إن هؤلاء الجماعة يمدحون الأغنياء للجائزة ، والمشايخ للتبرك والدعاء ، ومثلي ليمدحهم ، فوجب عليّ مدحهم ، وأنشد ارتجالا :
ورب شداة كالحمير نواهق |
|
بمختلف الأصوات من غير ضابط |
مزاهرهم دلت على نغماتهم |
|
كما دلت الأرياح عن إست ضارط |
وكان في الحاضرين الوجيه الفاضل الشيخ عبد الحميد أفندي الجابري ، فنظم بيتين في الحال وأعطاهما عبد الكريم وهما :
أرح عبد الكريم كرام قوم |
|
من التعريض في نظم القريض |
وبدل هجوهم كرما بمدح |
|
فهم مداح ذي الجاه العريض |
فاعتذر عند ذلك الحاج عبد الكريم وأرسل للشيخ عبد الحميد أفندي بهذه الأبيات :
أيا مولى رقي رتب المعالي |
|
على القمرين فضلا بالوميض |
تقبل عذر عبد قد رمته |
|
بنو الآمال بالسهم الحضيض |
فلو وقفوا على مدح التهامي |
|
لكان المدح فيهم من فروضي |
ولكن أسرفوا في صفع قحفي |
|
وزفوني بفائضة المريض |
فأمطرهم سحابي مزن سلح |
|
وحيتهم رياحي من محيض |
فلا عتبا عليّ هجاء قوم |
|
يقيسون الذبابة بالبعوض |
وعبد الكريم بلّه كان رجلا ظريفا من العوام ، صاحب ملح ونوادر ، مشهورا بذلك يتناقل ملحه الطاعنون في السن إلى الآن ، وكان ذا ذكاء وفطنة ، وعني بقرض الشعر وصار عنده ملكة منه ، غير أن غالب شعره في الخلاعة والمجون ، فلم أستحسن إثبات شيء منه ، وبلغني أن له ديوانا لكني لم أعثر عليه بعد ، وكذلك لم أتمكن من الوقوف على تاريخ وفاته غير أنها كانت أواخر هذا القرن.
وترجمه الأديب قسطاكي بك الحمصي في «أدباء حلب» وأشار إلى هذه النادرة ، لكنه لم يقف منها إلا على البيتين الأوليين ، وتتمة النادرة هي ما ذكرناه.
ووجدت له في بعض المجاميع تشطيرا لبيتين وهما :
عرضنا أنفسا عزت علينا |
|
لها في ذروة العليا مكان |