وحاصل الكلام في سيرة هذا المترجم المفضال فإنه اختلفت فيه أقوال الرجال ، فمنهم من طعن به وزاد ، ومنهم من برأه من كل ما يوجب الملام والفساد ، وإن الحق يقال ، ما علمنا عليه سوى ما يوجب الكمال ، غير أن بعضا من جماعته قد خرجوا عن دائرة الأدب ، وتكلموا بما هو لكل ملام سبب ، وتركوا في الظاهر كل مأمور ، وارتكبوا أقبح الأمور. ثم إن المنفيين إلى فزّان أحسنت عليهم الدولة بالإطلاق فرجعوا إلى الشام. ولم يزل بعض أهل هذه الطريقة يفتخرون بمخالفة الشريعة الغراء ، وبترك كل مأمور به وبفعل كل ما يوصل فعله إلى كل شقاء ، ويقولون بأن الشريعة حجاب ، وفعل المنكرات موصل إلى رب الأرباب ، فلاطوا بالأبناء وزنوا بالأمهات ، وأكلوا الحرام وانهمكوا في المنكرات ، واعتقدوا بأنفسهم أنهم صوفية الزمان ، وأن من سواهم قد ألبس نفسه ثياب الحرمان ، ويفسرون كلام الله ورسوله بكل تفسير فاسد ، ويقولون بأن هذا التفسير قد ألقاه إليهم الوارد ، فما أعظمها مفسدة في الدين ، وما أجسمها فتنة على المسلمين ، فيا عباد الله من يقول بأن المنهي عنه طريق الوصول ، وهو المرضيّ عند الله تعالى وعند الرسول ، وأما المأمور به فهو حجاب ، ولا يتمسك به إلا المحجوبون عن طريق الصواب ، فإننا نبرأ إلى الله من هذا الاعتقاد ، ونعوذ به مما يوصل إلى كل شر وفساد ، ونتمسك بما جاء به النبي الأمين ونقول : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ)(١).
ثم إن كثيرا من الناس قد شكى هؤلاء الجماعة إلى المترجم ، فيقتصر على قوله : عظوهم وعرفوهم أن هذا أمر محرّم ، وإذا وعظهم إنسان ، يسخرون به ويعدونه من أهل الجهالة والخسران. نسأل الله العفو والعافية ، والمعافاة الدائمة والنعمة الوافية ، وأن يحفظنا والمسلمين ، من مخالفة الملة والدين.
وفي ليلة الأربعاء التاسع عشر من رمضان المبارك توفي هذا المترجم سنة ألف وثلاثمائة وست عشرة رحمهالله تعالى. ا ه.
١٢٤٨ ـ فرنسيس بن فتح الله مراش المتوفى سنة ١٢٩٠
فرنسيس بن فتح الله مراش. ترجمه جرجي زيدان في كتابه «مشاهير الشرق» فقال بعد أن صدر الترجمة برسمه :
__________________
(١) آل عمران : ٥٣.