حجّه ، وعجّه وثجّه (١). توجه لزيارة أشرف إنسان ، وأفضل مخلوق من ملك وإنس وجان ، وجاور في تلك البلدة الشريفة ، ذات الرتبة العالية المنيفة ، أربع سنوات. وكان يحج في كل عام ، ثم بعد التمام يرجع لمدينة خير الأنام.
ثم قصد زيارة القدس الشريف ، فلما وصل يافا في مركب شراعي تعسر عليه النزول إليها لأن النوء كان شديدا غير لطيف ، فطلع إلى عكا ، وكان قد مرض لشدة ما أصابه من الأهوال والعناء ، فذهب منها إلى ترشيحا لتبديل الهواء ، وكان ذلك سنة ألف ومايتين وست وستين ، وأخذ أمره من ذلك العهد بالانتشار ، فقصدته الناس من القرايا والأمصار ، وأخذوا عنه الطريق ، باذلين همتهم في حفظ ذلك العهد الوثيق ، وفي كل يوم يشتهر أمره ، ويزداد علوه وقدره ، إلى أن انتشر الطريق في الآفاق ، فلم يدخل الإنسان من البلاد السورية إلى محل إلا ويجد مرشدا منهم قد وقف للترغيب على ساق.
وفي حدود سنة ألف ومائتين وثمانين أيام ولاية رشدي باشا الشرواني رأى منهم اجتماعا منافيا للسياسة العثمانية ، فنفاه هو وبعض جماعته إلى الجزيرة القبرصية ، ولم يزل بها ثلاثة أعوام ، إلى أن تداخل في الرجا في إحضاره الأمير عبد القادر الجزائري فاستجلبه إلى الشام ، وقد أجرت الحكومة عليه شديد التنبيهات ، في ترك ما كانوا يفعلونه من الاجتماع وأنه من الممنوعات. ثم عاد إلى عكا ورجع ، بعد أن أعطى المواثيق بأنه ترك ما كان عليه ونزع. ثم بعد أن انفصل ذاك الوالي المشار إليه ، رجع المترجم إلى ما كان من الظهور عليه ، إلى أن وجهت الولاية على رشدي باشا ، وكان قد حصل من جماعته في بعض المحلات أمور مذمومة واعتقادات مشؤومة ، فاستحضر الوالي المترجم تحت الحفظ إلى الشام ، وأراد نفيه إلى فزّان ، وقبض على نحو عشرين شخصا من جماعته المعدودين من خلاصة الأخوان ، فبذل الأمير عبد القادر رجاه لحضرة الوالي المرقوم أن يجعله محبوسا في داره ، وأن يسمح عن نفيه رحمة لذله وانكساره ، فحقق الوالي رجاه ، لما له عنده من الفضل والجاه. وأما جماعته فإنه نفاهم إلى فزّان ، وأذاقهم بذلك الذل والهوان. ثم إن حضرة الأمير بعد مدة أطلقه من حبسه ، وأرجعه إلى محله مشمولا بسرمده وكمال أنسه.
__________________
(١) في العبارة إشارة إلى الحديث الشريف : (تمام الحجّ العجّ والثجّ). العجّ : العجيج في الدعاء ، والثجّ : سيلان دماء الهدي والأضاحي.