وفي أواخر حياته حضر إلى حلب وبقي فيها سنتين ، ثم رجع إلى أرمناز وبها توفي سنة ١٣١٦ رحمهالله تعالى.
١٢٩٢ ـ الشيخ محمد فاتح الهبراوي المتوفى سنة ١٣١٦
الشيخ محمد فاتح ابن الشيخ محمد خير الدين الهبراوي الحسيني الحلبي.
ماجد عجنت طينته من ماء الذكاء والنباهة ، وتزين جيده من حين نشأته بحلي الأدب والنبالة. ولم يبلغ سن الشباب إلا وقد سار في سبيل الفضائل شوطا بعيدا ، وكاد يعتلي ذروتها ويبلغ منتهاها لو لا أن عاجلته المنية ومدت يدها إلى ذلك الغصن فقصفته على طراوته ، ولم ترع فيه إلا ولم تحفظ له عهدا.
ولد رحمهالله سنة ١٢٩٢ ، ونشأ في حجر والده ، وحفظ القرآن العظيم في مدة يسيرة. ثم أخذ في التفقه على مذهب الإمام الشافعي ، فلم تمض مدة وجيزة إلا وقد برع فيه وجلس للتدريس على مذهب ذلك الإمام بتقرير يشفي الغليل ، مع التحلي بلباس الصلاح والتقوى واشتغاله بالأوراد والعبادة بحيث يسهر معظم لياليه إلى وقت الأسحار.
ولم يزل دائبا على ذلك حتى انصرفت همته إلى الاستزادة من تلك المناهل العذاب ، فعزم على اقتعاد غارب الاغتراب ، وإن كان في السفر نوع من العذاب ، وسافر من الشهباء في ربيع الأول سنة ١٣١٤ قاصدا دمشق الشام ، ولما حل بهاتيك الديار وشاهد من كان هناك من العلماء الأعلام ، ألفوه وأحبوه ، وتمكنت محبته لما شاهدوه فيه من الذكاء والفضل على حداثة سنه. وأقام هناك مدة ، ثم استأنف السير إلى الديار المصرية ، ومر في طريقه على القدس وزار تلك الأماكن المقدسة ، ولما ألقى عصا التسيار في تلك الديار جاور بجامعها الأزهر وأخذ في التلقي عن علمائها الأعلام بهمة زائدة ، ساهرا الليالي للاقتطاف من ثمار العلوم والارتشاف من كؤوس المعالي ، مع مواظبته على ما كان عليه من العبادة والأذكار. وفي يسير من الزمن صار هلاله بدرا واستنار في سماء الكمال وحفظ صحيح البخاري عن ظهر قلب. وأقام ثمة نحو ثلاث سنين مكبا على التحصيل ، فوافاه الأجل المحتوم ليلة عيد الفطر سنة ١٣١٦ ، فكان المصاب به جللا والخطب عظيما. ولو اتسعت له فسحة الأجل لوجدت الشهباء فيه منتهى الأمل ، ولكان اليوم إنسان عينها والسابق في حلبة ميدانها.