جرى ذكر الحيات ، فحدثهم أن الشيخ عمر الخفاف رحمهالله صنع لأهله طعاما يسمى بالصجقات لأجل العشاء ، فطبخوه من الظهر وأبقوا لطعام العشاء جانبا وذهبوا إلى الحمّام وقالوا للشيخ : إذا أردت العشاء قبل مجيئنا من الحمّام فالصجقات في القفة وهي معلقة في المطبخ ، ووضعوا مفتاح الباب عند الجيران ، فعاد إلى البيت جائعا وطلب المفتاح وفتح ودخل إلى المطبخ ، فمد يده إلى القفة وكان أعشى فذهب إلى أن الموضوع في القفة حية ، ولمس الصجقات لينة مثل لين الحية ، فحصل له الجزع والخوف ، وكان له فرن قريب من داره وعنده صانع يدعي أنه مبايع في طريق سيدي أحمد الرفاعي قدسسره ، ففزع إلى الصانع وقال : يا فلان ، مددت يدي إلى القفة فإذا فيها حية جزعت منها غاية الجزع ، فأدركني وخلصني منها ، فأسرع الصانع على أنه رأى حية في القفة ، فلما رأى الصجقات أوهم الشيخ أنه حل فيه الحال ، وصار يقضم الصجقات ويأكلهم ويوهم الشيخ أنه يأكل الحية ، والشيخ يقول : شيء لله المدد يا أصحاب الطريق ، شيء لله المدد يا رجال ، ويبكي والصانع يقضم الصجقات ويوهم أنه يأكل الحية ويصيح ، فلما انتهى الأكل خرج الصانع هائما على وجهه إلى بيته ، فصار الشيخ يقول : ما كنا نعرف قدره ، وهو متفكر أين وضعوا له الصجقات ، فلما جاء الحريم من الحمّام سألهم : أين وضعتم الصجقات؟ قالوا : في القفة ، فعلم أن الصانع احتال ليأكل الصجقات ، وخرج إلى بيت الصانع وقال له : يا خبيث يا محتال ، أدخلت عليّ الحيلة وأكلت طعامي وتركتني جائعا ، وصار يشتمه ويسبه والصانع يضحك لعلمه بلطافة حال الشيخ ، وقال له : إذا كنت لم تفرق بين الحيات والصجقات ودخل عليك الوهم وندبتني لهذا الأمر وأنا جائع كيف لا آكل ولو مت ، وصارت أحدوثة لطيفة يتحدث بها. ا ه.
وهو مدفون في تربة الشعلة خارج باب المقام ، ولم أظفر بقبره لآخذ عنه تاريخ وفاته في أية سنة كانت ، ولعله ذهبت ألواح قبره ودرس ، غير أن وفاته في أوائل هذا القرن ، ولعلها كانت قبل العشرين أو بعدها بقليل.
١١٧٢ ـ الشيخ مصطفى الطرابلسي المتوفى في حدود سنة ١٢٢٠
الشيخ مصطفى بن محمد بن إبراهيم بن محمد الطرابلسي ، الحلبي المولد والمنشأ ، الحنفي ، العالم الفاضل والمتقن الكامل ، المولى السيد الشريف البليغ الأديب ، نخبة البلغاء وكعبة الفضلاء والرؤساء.