ولد بحلب سنة ست وأربعين وماية وألف ، ونشأ بكنف والده الشمس محمد نقيب الأشراف ومفتي الحنفية بحلب أحد العلماء والفقهاء المشهورين بعصره ، وقرأ عليه الكثير من الكتب وانتفع به وسمع عليه الكثير ، وأخذ عنه ، واشتغل على غيره بالأخذ والتحصيل وقرأ عليهم ، كأبي السعادات طه بن مهنا الجبريني وأبي الفتح (١) محمد بن الحسين وقاسم ابن محمد البكرجي ، وأجازه أبو البركات عبد الله بن الحسين بن مرعي السويدي البغدادي عام دخوله حلب حاجا سنة سبع وخمسين وماية وألف ، وأبو عبد الله علاء الدين محمد ابن محمد الطيب الفاسي المالكي نزيل المدينة المنورة وسمع منهما الحديث المسلسل بالأولية. وأجازه الشهاب أحمد الملوي المصري وأبو عبد الله محمد بن علي الجمال الحلبي تلميذ والده ، فبرع وفاق ، وانعقد على فضله الاتفاق ، وحصل له الفضل الذي لا ينكر ، والإتقان الذي لا يجحد بل ينشر ويذكر.
وأقبل على الأدب ومطالعة كتب اللغة والعربية واشتغل بها حتى ضبط الكثير منها وحفظ غالبها ، وجمع كتابا في اللغة لم ينسج على منواله ولم يسبق إلى مثاله ، جعله أبوابا وفصولا وتفرغ لجمعه وتحريره عدة سنين حتى جاء كتابا وافيا مفيدا سهل المأخذ كثير الفائدة.
وقدم دمشق ودخلها غير مرة ، وسمع من أبي يحيى علاء الدين علي بن صادق الداغستاني ، وسمع الكثير من العلماء واستفاد من فوائدهم ، ثم ارتحل إلى حلب وامتحن لما قامت الأشراف وقوي جانبهم. وخرج من حلب واستقام مدة في مدينة صيدا وتلك النواحي. ثم دخل القسطنطينية ، وكان قد مات والده في تلك الأيام (٢) واجتمع بعلمائها وأعيانها. وتقلبت به الأحوال بعد ذلك ، واستقر آخر أمره في بلدته الشهباء إلى أن اخترمته المنية سنة نيف وعشر ومائتين وألف ، ودفن هناك رحمهالله تعالى. ا ه. (حلية البشر).
أقول : وقد دفن في تربة العبّارة خارج باب الفرج ، إلا أن قبور هذه العائلة قد درست مع ما درس من القبور التي أخذت من أطراف الجبانة الأربعة باعتبار أنها قبور مندرسة ، واتخذ بعضها بيوتا حول الباقي الآن من التربة وبعضها شوارع بجانبها وذلك في حدود سنة ١٣٢٠.
__________________
(١) في «حلية البشر» : وأبي عبد الفتاح.
(٢) كانت وفاة والده محمد أفندي مفتي حلب سنة ١١٨٤ كما رأيته في مجموعة لبعض بني الطرابلسي.