والعناية بالوعظ والإرشاد إلى أن توفي في صفر سنة ١٣١٤ ودفن في تربة الشيخ جاكير خارج باب المقام.
١٢٨٧ ـ يحيى أفندي مفتي أنطاكية المتوفى سنة ١٣١٤
الشيخ يحيى أفندي مفتي أنطاكية ، عالم زمانه وإمام أهل وقته وأوانه.
ولد سنة ١٢٣٠ تقريبا ، ومنذ نشأ أقبل على العبادة والطلب ، فبرع وفاق ، واشتهر في الآفاق ، وتفنن في العلوم ، وبرع في فنّي المنطوق والمفهوم ، وأقبل الناس عليه ، للاستفادة منه والنظر إليه. وأخذ عن مشايخ ذوي رتب سامية ، أسانيدهم في الأخذ عالية. ولما رأوا منه المعرفة التامة ، أجازوه بالإجازة العامة. ثم ولي منصب الإفتاء بأنطاكية ، وله بإقليمها شهرة عالية ، وله معرفة بالسياسة قوية ، ومهارة بالألسنة الثلاث العربية والتركية والفارسية. ونظره في الأمور دقيق ، مقصود في الاستشارة لكل بعيد أو قريب أو عدو أو صديق.
وفي سنة ثلاثمائة واثنتين بعد الألف جاء إلى حلب جميل باشا واليا عليها ، وكان له شدة عظيمة على أهل الرئاسة في حلب وما يتبعها من بقية الولاية ، فاضطر المترجم أن يخرج من محله وأن يخرج من الولاية ، فرحل إلى دمشق واتصل برؤوسها وولاتها وأكابرها وذواتها.
وله محاضرة عجيبة وحافظة غريبة ، فكثيرا ما كان يستشهد تارة في العربية وتارة في التركية وتارة في الفارسية بأبيات لطيفة رقيقة ذات معان أنيقة. وله حكايات ونوادر تشهد له أنه في الأدب له المقام النادر ، ومعرفته في الشطرنج حظها وافر ، فكان كثيرا ما يلعب به مع الحكام والأكابر. وكانت لي معه الصحبة الوافرة والمحبة المتكاثرة ، والمباحثة والمذاكرة والمسامرة والمحاضرة. وقد أخبرني بأنه ولد في الشام حين كان أبوه بها مستقيما ، ثم عاد به أبوه إلى وطنه المذكور. ثم إنه لا زال في الشام يعلو مقامه وينمو احترامه ، إلى أن وقع بينه وبين حسين فوزي باشا بعض منافرة ، وكان قد عزل جميل باشا من حلب ، فرجع إلى وطنه وذلك سنة ألف وثلاثمائة وخمس أطال الله بقاه. ا ه. (حلية البشر للبيطار). أقول : كانت وفاته كما كتب لنا من أنطاكية أول ليلة من رمضان سنة ١٣١٤ عن اثنين